ماذا دار في لقاء الكاظمية بين آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي وسفير الفاتيكان في العراق؟
كانت صفة التسامح الديني، والتعايش بين الأديان والمذاهب المختلفة، من أهم صفات المجتمع الإسلامي والعربي، حيث تسود لغة الحوار والنقاش البناء، وتبادل الأفكار الهادئ، دون ان يكون لذلك، أي مساس بعقيدة المتحاورين، بل انه يجعل كل طرف على معرفة تامة بما لدى الطرف الآخر، وبروح من المحبة، بل ان الأمر قد يصل الى مشاركة الجميع في المناسبات سواء كانت الدينية منها ام الاجتماعية، لذلك عاش المسيحي مع أخيه المسلم بسلام ووئام عقودا من الزمن، وكانت كثيرا ما تجمع اللقاءات سواء العامة او الخاصة بين زعماء الطوائف. لقد حفلت ثنايا الكتب، بالكثير من اخبار تلك اللقاءات والاجتماعات الأخوية، ومنها ما ذكره صاحب كتاب (ذكرياتي-الأعلام الذين عاصرتهم خلال 60 عاماً) الحاج حسين الشاكري، في موسوعته الرائعة هذه، حيث ذكر في الجزء الثاني منها، انه قد التقى عدة مرات خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، بالمرحوم آية الله العظمى (المرعشي النجفي) في مدينة قم المقدسة، حيث اخبره في إحدى المرات، انه لما كان في مدينة الكاظمية قبل اكثر من ستين عاما، زاره الأب (انستاس ماري الكرملي) العالم والأديب واللغوي والقاصد الرسولي (أي سفير الفاتيكان) في العراق، وجرى حديث شائق بينهم في شتى المواضيع، منها انه قال للسيد المرعشي: إن لإسلامكم قواعد متينة ومتصلة اتصالا وثيقا بصدر الإسلام، خاصة انتم الشيعة، ولكنكم لا تعرفون قدرها وأهميتها، وعندها سأله السيد: ما هي ؟
قال: عدة جهات و(رموز):

أولها: العتبات المقدسة عندكم، بما فيها القباب والمآذن الذهبية التي هي بمثابة (الساكن المتحرك)، أي قطب الرحى حيث أنها دائمة التذكير بالنبي وأهل بيته.

ثانيا: تسلسل الحديث المعنعن، حتى يتصل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثالثا: ذكر الحسين ومنبره على مدى السنين والأعوام، وفي كل لحظة يمكنكم عقد مجلس عزاء، وذكر فضائل النبي أهل بيته، بدون تكلف او مشقة ولا مقدمة، حتى انه يمكن أن يعقد المجلس بشخصين او ثلاثة.

رابعا: السادات من ذرية النبي صلى الله عليه وآله، وسلالته المتواجدين بين ظهرانيكم والمتصلين به وبمدرسة أهل البيت.
ونحن (والكلام للكرملي) لا نملك ولا واحدة منها، وكأننا منقطعون عن السيد المسيح انقطاعا كليا، كما إن بقية المسلمين والمذاهب الأخرى لا يملكون كل هذا وربما يملكون البعض منه، وأردف قائلا: (مع دخول الإنكليز باحتلال العراق نشطنا كثيرا، بالتبشير آملين أن ننصِّر عددا كبيرا من المسلمين، لا سيما الفقراء والسذج من أهل الريف والأميين، وننشر مبشرينا في جنوب العراق، وفي الريف، وخاصة منطقة محافظة العمارة وأطرافها، لأنهم كانوا محرومين من كل شئ بما فيه فرص التعليم، وبعد جهد جهيد وبذل الأموال، استطعنا أن ننصِّر جماعة منهم فاعتنقوا المسيحية. ولما تم دعوتهم وحضروا الى الكنيسة في مدينة العمارة، للصلاة فيها، ووقف أحد القساوسة يبشرهم ويحدثهم عن مناقب السيد المسيح، ومعاجزه، وصفاته الحميدة، وبعد ان ذكر احدى معجزاته العظيمة، فما كان من المستمعين والحضور عند سماعهم المعجزة، إلا أن رفعوا أصواتهم عاليا بالصلاة على محمد وآل محمد، وعندها اسقط ما في أيدينا وتيقنا فشل التجربة ففكرنا جديا بإعادة النظر وبطريقة جدية أخرى في التبشير.
إن الدعوات التي تنادي بالعودة فقط الى السلف الصالح، وعدم تقبل أي تجديد يتماشى مع روح العصر هي في طريقها الى الاضمحلال، لأنها تسير عكس حركة الزمن، ولأن الذي لا زال يفكر بعقلية اهل الكهوف والأدغال والصحاري، سوف تسحقه بالتأكيد عجلة الحياة التي لا تعرف التوقف.