" الضحالة الحضارية لـ .. "
وهذا بالتأكيد ـ منطقياً ـ لا يدل إلا على الضحالة الحضارية للوهابيين وفقدانهم الوعي الاجتماعي، الديني بل خللهم المعرفي، ولا يمكن وضعهم ضمن إطار إسلامي ينسجم ومنطلقاته الموضوعية، وهذا (الرأي) هو الذي رسخ أخيراً في أقطاب العالم الإسلامي بكل مذاهبه، بأن هؤلاء بعيدين عن الإسلام، سيما مع ما فضحهم أخيراً في ولادتهم المزرية المتمثلة بنظام الطالبان في افغانستان، بما يقوم به من ممارسات ونهج وقوانين تشوه الإسلام.. سيما بعد بروز الإسلام كظاهرة شرقية تهم العالم في بعده الجيوسياسي.
"القبور بين الشرعية والبدعة"
نبدأ في المسألة من نفي السلب (الرفض)، مع بحث تاريخ مبسط يمكن وضعه في إطار الاحتجاج بالسنة وهي تاريخية بلا شك، فالعلاقة مع القبور في التبرك والزيارة، أمرٌ طارئ مستحدث (بدعة) على الدين أم غير ذلك. هذه الممارسات تخبرنا السُنة أنها من الممارسات التي كانت شائعة في صدر الإسلام وتفجره الأول. فإذا كان الأمر شركاً، فهذا يفضي إلى القول بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) والأنبياء (عليهم السلام) قبله والصحابة ـ استغفر الله ـ كانوا في شرك. فقد كان الصحابة، أول من مارس هذا النوع من الشعائر، ولم يكن هناك أي حساسية يجدونها في ذلك، ولا كان الرسول (صلى الله عليه وآله) ينهاهم عن أمر وهو يعلم أن الطبيعة البشرية تحتاج إلى أن تجسّد ولاءها، وتحول ذلك إلى حالات محسوسة تعيشها في حياتها اليومية.
![]()
"علاقة الآيات بالقبور"
كذلك يمكن الركون إلى آيات كثيرة توضح العلاقة مع القبور وأهميتها، منها قوله تعالى: (فقال ابنوا عليهم بنياناً، ربهم أعلم بهم، قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً). وهذا يدل على أن قبور الأولياء والصالحين، أمر مندوب وطبيعي جداً مع كل الأديان سيما السماوية منها، وقد أقرّ الله تعالى ذلك، لكل الأبعاد المدروسة سالفاً.. في بعد يقظة الإنسان بعد ضياعه في الدنيا، ونسيان مرحلة الموت.
والآية الصريحة (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)، فما المانع إذاً من اتخاذ قبور الأنبياء مساجد... وإذا كان الأمر كذلك كما يعتقد الوهابيون فيكون جميع أنبياء الله مشركين ـ أستغفر الله ـ لماذا ؟ لأن أغلبهم زار مقام إبراهيم، وحام حوله.. واتخذه مصلى.. كما أثار ذلك بعض علماء الأمة في نقاشهم مع الوهابية.
![]()
فهذا لم يكن وسيلة دون الله، أو ذا قيمة ذاتية مستقلة عن الله، وإنما شأنه شأن الشعائر الأخرى في مندوبيتها وأثرها الوضعي المشهود. بل لطالما نجد أقرب إلى المستفيضة في توجيه هذه الشعيرة، مذكوراً مع كثير منها الأثر الكبير دنيوياً لها... وكذلك مصلحتها ومقصدها الشرعي، بل ذات دلالة تؤكد بقرائتها الكثيفة على أهمية شأن القبور في الأثر الاجتماعي وحركته، إذا أنها بعد عميق في ربط عالم الغيب (بما يثيره عالم القبر) مع عالم الشهادة، وهي محطة (القبور) والتي طالما غيّرت مسيرة أشخاص من الظلال إلى الاستقامة، بما يعرضه لنا الأدب العربي والتراث عموماً من قصص وأحداث وأشعار وكلمات رافقت التحول. ويمكن أن نذكر بعض هذه الأحاديث وأقوال الأئمة (عليهم السلام).. مثل: جاور القبور تَعَتبرْ، وإذا ضاقت بكم الصدور فعليكم بالقبور، والحديث الشريف: من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ (إنا أنزلناه سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر). كما أن سورة التكاثر تحمل ثقلاً دلالياً في توجيه ذلك: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر)، بسياقها السابق واللاحق يشير إلى ما بعد مرحلة طغيان الإنسان وانفكاكه عن فطرته.. وما تثيره القبور من عودة إلى الذات وصفعة موقظة للنفس.
" أهدافٌ وخطى"
لذا كانت من أهداف وخطى آية الله السيد الشهيد حسن الشيرازي هو: تجديد البناء على مراقد أهل البيت (عليهم السلام) وإعادة ما كان مبنياً عليها من قباب ومنارات ... نظراً إلى أنّ تركها ـ كما هي عليه الآن ـ يعتبر نوعاً من الهتك والإهانة لحُرمهم المقدسة. ومن أجل هذا الهدف المقدس، تحرك الشهيد العظيم، باذلاً قصارى جهده من أجل تحقيقه، والتقى عدة مرات بالملك السابق فيصل، وبكبار المسؤولين في الحجاز وعقَد معهم سلسلة من اللقاءات والاجتماعات تمهيداً للموافقة على تجديد البناء. وقد كان الشهيد الراحل ينوي القيام ـ من جديد ـ بنشاطات جديدة ـ عندما تتاح له الفرصة ـ أملاً في تحصيل الموافقة، إلا أن يد الغدر لم تمهله لذلك. هذا.. والمطلوب من علماء الدين ورجال الفكر والعقيدة أن يبذلوا الجهود القُصوى في سبيل تحقيق هذا الهدف المقدّس.. وأن لا يتوانوا عن السعي من أجل الوصول إلى هذا الأمل الذي كان يحلم به شهيدنا المعظم (رضوان الله عليه) ويحلم به مئات الملايين من المؤمنين.
![]()
" الرحالة الغربيون"
لقد زار بورتون مقبرة البقيع زيارةً خاصة، فخرج مع جماعته من المدينة سالكاً درب الجنازة اليها، الذي يحاذي السور الجنوبي.. وهو يقول عند الوصول اليها ان هناك خبراً يقول ان سبعين ألف قديس، وفي رواية مائة الف، سوف يبعثون يوم القيامة من البقيع. وان عشرة آلاف صحابي، وعدداً لا يحصي من السادة، قد دفنوا في هذه المقبرة علي مر السنين فاندرست علي مر السنين فاندرست قبورهم لأن القبور في الأزمنة القديمة لم تكن توضع عليها شواهد .
وكان أول شخص في الاسلام دفن في البقيع عثمان بن مظعون، لأنه أول من توفي في المدينة من المهاجرين. ففي اليوم الثالث من شعبان سنة 3 للهجرة قبَّل النبي جبين جثته وأمر بدفنها في مدي الرؤية من مقره. وكان المكان في تلك الأيام حقلاً ينتشر فيه عدد من أشجار الغرقد، فقطعت الأشجار وسويت الأرض فدفن ابن مظعون في وسطها. ثم وضع النبي بيديه الكريمتين حجرين شاهدين كبيرين فوق رأس صاحبه وقدميه. ويقول بورتون في حاشيةٍ له ان مروان بن الحكم رفع هذين الحجرين بعد ذلك حينما قرر عدم تمييز هذا القبر، لكن المسلمين استهجنوا هذا العمل من وكيل معاوية. ولعل ابن مظعون كان من خصوم الأمويين. هذا وقد أُنشئت بمرور الزمن قبة فوق هذا القبر. ثم دفن الي جنبه ابراهيم الابن الثاني للنبي محمد، فأصبح البقيع من بعد ذلك مقبرةً مشهورة.
![]()
ومدفن الأولياء هذا له شكل متطاول غير منتظم تحيط به جدران متصلة بالضاحية من زاويتها الجنوبية الغربية. ويحجزه درب الجنازة عن سور المدينة، كما يحده من الشمال طريق البادية الشرقي الذي يخرج من باب الجمعة. وتعتبر هذه المقبرة صغيرة اذا ما لو حظ أن جميع من يتوفاه الله في المدينة من أهلها ومن الغرباء يتأملون ان يدفنوا فيها الا الرافضة والكفرة. ولذلك فلابد لها من ان تضيق بجثث الموتي الذين لا يمكن ان تستوعبهم لولا ان الطريقة التي يدفن بها المسلمون موتاهم تساعد علي التفسخ والاندراس.. وليس في داخل المقبرة أزهار ولا أشجار باسقة، ولا كل شيء مما يخفف كآبة المدافن المسيحية في العادة، حتي ان الأبنية التي فيها تعد شيئاً بسيطاً للغاية او حقيراً في الحقيقة. ولقد هدم الأبنية والنصب القديمة التي كانت موجودة فيها الأمير سعود وأتباعه الوهابيون الذين شنوا حملة شعواء ضد ما لا بد من أنهم كانوا يعتبرونه شيئاً باذخاً من الأضرحة، لأنهم يعتقدون بأن خير القبور الدوارس. وكان منظر هذه المقبرة حينما زارها بورخارت من قبل (1814) عبارة عن «..أكوام مبعثرة من التراب، وحفر واسعة، وأنواع من الزبل، من دون شاهدة واحدة علي أي قبر. ويرجع الفضل لما بني منها بعد ذلك الي السلطانين عبدالحميد ومحمود..».
"هكذا قيل"
أ- ويقول بورتون كذلك:.. وقد دخلت المقبرة المقدسة مقدماً رجلي اليمني كما لو كنت أدخل الي المسجد، وحافي القدمين لأتحاشي اعتباري من الرافضة. فمع ان أهالي المدينة يدخلون اليها بأخذيتهم فانهم يغتاضون كثيراً حينما يرون الايرانيين يفعلون مثلهم. ثم بدأنا بقراءة الزيارة العامة المألوفة.. وأعقبناها بقراءة سورة الاخلاص والشهادة، وبانتهائها رفعنا إيدينا وقرأنا الفاتحة قراءةً خافتة ومسحنا أيدينا علي وجوهنا وتحركنا .
ب- وحينما سرنا في ممر ضيق يؤدي من جهة البقيع الغربية الي الجهة الشرقية دخلنا مرقداً متواضعاً أُقيم فوق قبر الخليفة عثمان.. فعند ما قتل أراد أصحابه ان يدفن في «الحجرة»، لكن ثوار مصر قابلوا ذلك بعنف وأقسموا أن لا يدفن هناك ولا يصلي عليه، وانما سمحوا فقط بنقله بعد تهديد حبيبة أم المسلمين (وبنت أبي سفيان) لهم. وفي خلال الليلة التي أعقبت وفاته نقل عثمان الي البقيع من قبل أصحابه، لكنهم طردوا من هناك أيضاً فاضطروا الي ايداع حملهم في بستان تقع في الجهة الشرقية الخارجية من مقبرة الأولياء هذه. وكانت تدعي «حصن كوكب» حتي أدمحها مروان بالبقيع. وقد وقفنا علي مرقد عثمان هذا وتلونا الزيارة.. وبعد ذلك دفعنا الصدقات وأرضينا الخادم بعشرة قروش.
ج-وبعد هذا سرنا خطوات قليلة الي الشمال وتوجهنا نحو الشرق فزرنا أبا سعيد الخدري صاحب النبي الذي يقع قبره في خارج البقيع. وكان المكان الثالث الذي زرناه قبة تحتوي علي قبر السيدة حليمة البدوية (السعدية) مرضعة النبي محمد.. ومن هناك توجهنا الي الشمال فوقفنا أمام مبنيً صغير يحتوي علي أكوام بيضوية الشكل من الأحجار المتناثرة، وهي قبور شهداء البقيع الذين قتلهم مسلم قائد كبير الفاسقين يزيد. ويقول بورتون في حاشية له هنا (الص 37 ج2) ان الامام الشافعي يسمح لأتباعه بسب يزيد بن معاوية الذي جعلته قساوته مع آل البيت، وجرائمه وموبقاته، يهودا الأسخريوطي المسلم. وقد سمع بورتون مسلمين أحنافاً يسبون يزيداً كذلك. أما الوقفة الخامسة فكانت بالقرب من وسط المقبرة علي قبر ابراهيم ابن النبي الذي توفي وعمره ستة أشهر، أو سنتان علي قول البعض. وكان ابن مارية القبطيةالتي أهداها الي النبي (ص) جارح مقوقس الاسكندرية في مصر. فقد أهال النبي التراب بيديه الكريمتين عليه، ورشه بالماء، ثم وضع الحجارات الصغيرة فوق ذلك وقرأ السلام الأخير عليه. ولهذا السبب دفن الكثيرون من الرجال المقدسين في هذا الجزء من المقبرة، لأن كل أحد كان يطمع في ان يلحد في الأرض التي شرفتها يدا النبي. وزرنا بعد هذا النافع ابن عمر المسمي نافعاً القاري عادة، لأنه كان يجوّد القرآن، والي جنبه مالك بن أنس ابن المدينة ورجلها الفذ. وكانت الوقفة الثامنة علي قبر عقيل بن أبي طالب أخي الامام علي. وهنا يعلق بورتون في حاشية له ويقول ان عقيلاً توفي دمشق علي عهد معاوية، لكن البعض يذكر انه دفن هناك بينما يقول غيرهم ان جثمانه نقل الي المدينة بعد ذلك ودفن في مكان كان يقوم فيه بيته من قبل وكان يسمي دار عقيل.. وقد زرنا بعد هذه البقعةً التي دفنت فيها أزواج النبي جميعهن عدا خديجة التي دفنت في مكة. وكان محمد(ص) قد تزوج خمس عشرة امرأة عاش منهن بعده تسع، وبعد أمهات المؤمنين قرأنا الفاتحة علي قبور بنات محمد اللواتي يقال أنهن كن عشراً.
د-وبعد ان يصف بورتون (الص 29 ج 2) الشحاذين وأنواعهم وكيف يستقبلون الزوار يقول: .. وقبل ان نترك البقيع وقفنا وقفتنا الحادية عشرة في القبة العباسية، أو قبة العباس عم النبي. وهنا يعلق في الحاشية بقوله ان البعض يرون ان مراسيم الزيارة كانت ولا تزال تبدأ هنا، لكن ترتيب الزيارات يختلف ولا يتفق عليه اثنان، وكانت مسؤولية ما فعله تقع علي ما فعله مزوّره الشيخ حميد، لأنه لم يشأ المجازفة بشيء من عنده .. ثم يستأنف وصف القبة ويقول: وهذه القبة التي بناها الخلفاء العباسيون من قبل في 519 للهجرة أكبر وأجمل جميع القبب الأخري، وتقع علي يمين الداخل من باب المقبرة. ويدل علي أهميتها تجمع الشحاذين بقربها، فقد جاءوا اليها ونكأكأوا عليها حينما وجدوا الايرانيين متجمعين فيها بكثرة وهم يبكون ويصلون ويصلون وبعد أن اجتزت العتبة بصعوبة طفت حول عدد من القبور كانت تشغل وسط المنبي من دون ان يكون بينها وبين الجدار الا ممر ضيق. وهي محاطة بسياج ومغطاة بعدة كساوي من القماش الأخضر المكتوب عليه بأحرف بيضاء وتبدو هذه كأنها كومة مرتبكة، لكنها ربما بدت لي كذلك بسبب الازدحام المحيط بها. وتوجد في القسم الشرقي قبور الحسن بن علي سبط النبي، والامام زين العابدين بن الحسين، وابنه محمد الباقر (الامام الخامس)، ثم ابنه الامام جعفر الصادق "عليهم الصلاة والسلام" ـ وهؤلاء جميعاً من نسل النبي وقد دفنوا في نفس المرقد الذي دفن فيه العباس بن عبدالمطلب عم النبي..
هـ- وبعد أن خرجنا وتخلصنا من أيدي الشحاذين الصغار وجّهنا وجهنا نحو الجدار الجنوبي الذي يوجد بقربه قبر ينسب الي السيدة فاطمة وقرأنا الدعاء المعروف. ويقول بورتون في حاشية مستفيضة (الص 41 ج 2): .. ويبدو ان المؤرخين المسلمين يبتهجون بالغموض الذي يكتنف مدفن السيدة فاطمة الزهراء(ع) ... فبعضهم يذكر أنها دفنت في الحرم الشريف ويستند في ذلك الي الرواية التي تقول انها حينما علمت بدنو أجلها قامت فرحة مستبشرة فغسلت الغسل الكبير ولبست ملابسها النظيفة، ثم فرشت حصيراً علي أرض بيتها الواقع بقرب قبر الرسول، وتمددت مستقبلةً القبلة فوضعت يدها تحت خدها وقالت لمن حضر بقربها.. لقد تطهرت ولبست ثيابي الطاهرة، فلا تسمحوا لأحد بأن يكشف عن جسدي بل ادفنوني حيث أنا.. وحينما عاد علي وجد زوجته قد توفيت، ونفذت رغبتها الأخيرة. وقد كان عمر بن عبدالعزيز يعتقد بهذه الرواية فألحق الغرفة تلك بالمسجد، ولذلك فالاعتقاد العام في الاسلام هو ان الزهراء البتول"عليها السلام" قد دفنت في الحرم. اما اولئك الذين يعتقدون بأنها مدفونة في البقيع فيستندون الي قول الامام الحسن: «.. فاذا لم يسمحوا بدفني عند قبر جدي فادفنوني في البقيع الي جنب أمي فاطمة..» وهؤلاء يرون الخبر التالي في هذا الشأن: .. فقد غسلها وكفنها علي وأم سلمة، اما غيرهم فيقولون ان اسماء بنت عميس زوجة أبي بكر كانت بجنب فاطمة حينما اعترضت في ساعتها الأخيرة علي حملها للدفن كما يحمل الرجال. لكن أسماء وعدتها بأن تصنع لها نعشاً أشبه بمحفة العروس، من جريد النخل، علي غرار ما رأته في الحبشه، وعند ذاك ابتسمت فاطمة للمرة الأولي منذ ان توفي والدها وأخذت عهداً بأن لا يدخل عليها أحد طالما كان جثمانها الطاهر مسجي في البيت. ولذلك لم تسمح أسماء لعائشة بالدخول حينما طرقت الباب عليها بعد ذلك، فذهبت شاكيةً الي أبيها وقالت له ان زوجة أبيها ستعمل محفة عرش خاصة تحمل بها جثة الزهراء الطاهرة "عليها السلام"الي مدفنها. فذهب أبوبكر الي الباب وسمع من زوجته ما كانت قد أوصت به فاطمة، فعاد راجعاً الي بيته من دون اعتراض. وقد أُخفيت وفاة ابنة النبي عن الكبير والصغير برغبة منها، فدفنت خلال الليل من دون ان يشيع نعشها أو يصلي عليها أحد سويً زوجها الامام علي وعدد قليل من أقربائها..
و-اما المكان الثالث الذي يقال انها دفنت فيه فهو مسجد صغير في البقيع جنوبي قبة العباس بن عبدالمطلب، وكان يسمي «بيت الحزن» لأنها قضت آخر أيامها فيه تندب فقد ابيها الغالي. ويبدو ان قبرها كان موجوداً هنا من قبل، لكن الزوار يصلون عليها الآن في مكانين: اي في الحرم وفي القبة العباسية.. وبعد ان غادرنا مقبرة البقيع تقدمنا شمالاً تاركين باب المدينة الي يسارنا حتي أتينا علي قبة صغيرة قريبة من الطريق، تحتوي علي قبور عمات النبي ولا سيما صفية بنت عبدالمطلب أخت الحمزة، وإحدي بطلات الاسلام في أول عهده.. ونقول تعليقاً علي ما جاء عن دفن فاطمة الزهراء عليها السلام انه يفهم من هذه الروايات، ومما جاء في «الامامة والسياسة» لابن قتيبة ان الزهراء"عليها السلام" توفيت وهي غير راضية عن ابي بكر، ولذلك لم تشأ ان يعلم بموتها هو أو غيره لئلا يصلي عليها وهو خليفة للمسلمين فدفنت في بيتها الذي أُدخل في الحرم بعد ذلك. وعلي هذا فقد تكون الرواية المنسوبة الي الامام الحسن، التي يفهم منها انها مدفونة في البقيع، غير صحيحة.
![]()
"البقيع الغرقد "
تعتز أي امة من الامم بموروثها الحضاري وتبجله وتضفي عليه هالات من التقديس والأحترام، فينحتون النصب التذكارية أو يحتفظون ببقايا مدن مقدسة ويصونوها من آثار الاندارس فأين نحن المسلمون من تراثنا المقدس الذي لا يشاكله نظير عالمي قط ؟ وكيف تعاملنا معه ؟
وقد ظلت هذه البقعة المباركة(البقيع) معلما مقدسا عند المسلمين يحيطونها بالعناية ويزورونها أثناء تأدية مناسك الحج وفي غيرها من المواسم حتى مجيئ الوهابية التي حاريت هذه الرموز الإسلامية الأولـــى وأحكمت معاولهــا بهد هذه المعالم ومحاولــة محو قدسيتها وتعدوا ذلك الى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الأطهار الى الحد الذي وصل بكبير مفتيهم بان ينعت قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصنم، ويصفه بأوصاف لا تليق، ولا يخفى ان هذه الحملة هي نتاج المحاولات الصليبية واليهودية الحاقدة على هذه الرساله المقدسة .
![]()
.. يتبع ..





رد مع اقتباس