يقبلون ضغط الغلاء بعد أن ذاقوا مرارة القتل
العراقيون قلقون بشأن أسعار الغذاء مع انخفاض معدلات العنف
بغداد ـرويترز: كانت ربة المنزل العراقية نجاة العزاوي تعيش في خوف مستمر من هجمات السيارات الملغومة حين تذهب للتسوق. اما الان فحين تذهب الى السوق في بغداد يكون اكبر مخاوفها هو أسعار الطعام الملتهبة.
ومع بلوغ العنف أدنى مستوياته خلال أربع سنوات لا يكف الكثير من العراقيين عن التفكير في نفس الشيء الذي يثير قلق الناس في أنحاء العالم الا وهو التضخم.
ويظهر هذا مدى التغير الذي طرأ على العراق خلال العام المنصرم.
وما زال كثيرون يخشون أن تعود أعمال العنف التي انتشرت على نطاق واسع بعد أن كان العراق قد شارف على الانزلاق الى حرب أهلية شاملة عامي 2006 و2007. وانفجرت سيارة ملغومة في بغداد الاسبوع الماضي مما أسفر عن مقتل 63 شخصا. لكن العنف لم يعد الموضوع الرئيسي الذي يشغل أذهانهم.
وفيما كانت تعد وجبة من الدجاج المشوي والبطاطس /البطاطا/ المسلوقة لزوجها وابنتها وحفيدها تحدثت نجاة بسرعة عن أثر ارتفاع أسعار الغذاء على ميزانية أسرتها.
وقالت نجاة ان ثمن نصف كيلو من الدجاج في الاسبوع الماضي بلغ 2250 دينارا /1.80 دولار/. اما في الاسبوع الحالي فوصل الى 2750 دينارا. وكان ثمن مرطبين من المربى 1250 دينارا اما الان فأصبح 1500 دينار.
وأضافت العزاوي /58 عاما/ »هكذا تذهب ميزانيتي«.
واستطردت قائلة »لكن ارتفاع الاسعار أفضل من انعدام الامن الذي كنا نعيشه من قبل. لو كان لي الاختيار لاخترت الاسعار المرتفعة«.
في بغداد يصعب تبادل الحديث مع أي أحد هذه الايام دون أن تطرح مسألة أسعار الغذاء.
ويقول محمد جبار الذي يملك متجرا فيما كان يضع الهامبرجر في مجمدة متجره »تحسن الامن وما يؤلم الان هي الاسعار التي تزاد سوءا«.
ارتفاع معدل التضخم
وقال البنك المركزي في الاسبوع الماضي ان تكلفة الغذاء والطاقة المتزايدة دفعت معدل التصخم السنوي للعراق الى 16 في المئة في ابريل مرتفعا عن الانخفاض القياسي خلال 17 عاما الذي حققه عندما بلغت نسبته 12 في المئة في ديسمبر من العام الماضي.
وليس التضخم الجامح بجديد على العراقيين الذين عاشوا عقودا من حروب وعقوبات فرضتها الامم المتحدة.
وعند المقارنة بين المستويات الحالية ومعدل التضخم السنوي الذي بلغ 66 في المئة في يناير عام 2007 حين عطلت أعمال العنف المستعرة امدادات الوقود والطعام مما تسبب في ارتفاع شديد في أسعار السلع تأتي المقارنة في صالح المستويات الحالية.
وفي مواجهة هذا ضاعف البنك المركزي معدلات الفائدة تقريبا لتصل الى 18 في المئة مما أدى الى انخفاض معدل التضخم في نهاية المطاف. اما الان فان الاسعار العالمية المتزايدة تهدد هذه المكاسب.
وأدت قلة المحاصيل وانخفاض مخزونات الحبوب وزيادة الطلب الى ارتفاع أسعار الغذاء العالمي ارتفاعا قياسيا. وفي منطقة الخليج القاحلة فاقم نقص المياه الدائم من تلك المشكلات.
تدهور الزراعة
وعلى الرغم من أن العراق توجد به أراض صالحة للزراعة اكثر من بعض جيرانه الذين تغطي الصحراء بلادهم فان انعدام الاستقرار جعل الانتاج الزراعي في حالة مزرية. ومعظم الطعام مستورد.
وقال بطي القبيسي الخبير الاقتصادي ومدير عام وزارة التخطيط ان العراق يستورد أبسط الاشياء حتى الطماطم والباذنجان من سوريا والاردن وايران وتركيا وأضاف أن التكاليف ترتفع هناك والمستهلكون سيدفعون أسعارا أعلى في العراق.
ومن المفارقات أن العقوبات التي أعاقت اقتصاد العراق في التسعينات أدت الى استحداث شيء يقول مسؤولون انه يساعد في تخفيف حدة اللطمة التي سببها ارتفاع أسعار الغذاء العالمي وهو نظام لتوزيع الحصص التموينية.
وطبق صدام حسين نظام البطاقات التموينية لمواجهة نقص الغذاء الذي سببته عقوبات فرضت على العراق بسبب غزوه للكويت عام 1990. وتقول وزارة التجارة العراقية ان هذا النظام ما زال يطعم قرابة ثلثي الشعب العراقي الذي يقدر عدده بسبعة وعشرين مليون نسمة.
وقال محمد حنون المتحدث باسم الوزارة ان كل أسرة عراقية تحصل على بطاقة تعطيها الحق في الحصول على الطعام من خلال 55 الف منفذ.
وأضاف أن نظام المعونة الغذائية العراقي فعال مشيرا الى أن الازمات الغذائية التي تسبب العنف في دول أخرى لم تصب العراقيين اذ لديهم الحصص التموينية التي لا توفر لهم كل شيء لكنها تمنحهم السلع الاساسية مثل الدقيق والارز والسكر. والمتلقون ممتنون لهذه المساعدة.
وتقول نجاة »يجعلنا هذا اكثر قدرة على شراء الطعام. ليس لدي العبء الاضافي لشراء السكر او زيت الطهي«.
غير أن خبراء اقتصاد يشكون فيما اذا كانت هذه المساعدات الغذائية ستكون مستديمة على المدى الطويل. وحذر صندوق النقد الدولي الدول مرارا مما يعتبره اهدارا للمال في دعم ومعونات تفتقر الى التمييز.
وقال القبيسي ان حصص الغذاء كلفت الحكومة العراقية أربعة مليارات دولار عام 2007 وقد طلبت وزارة التخطيط مثلي هذا المبلغ في العام الحالي لمواجهة الاسعار العالمية المتزايدة.
لكنه ذكر أن الفواتير الضخمة من صادرات النفط الخام بأسعار قياسية تعني أن العراق يستطيع تحمل تكلفة استمرار هذا النظام.
ومضى يقول انه على الرغم من تزايد الاسعار فان الحكومة لديها القدرة على السداد وأضاف أن العراقيين يحصلون على نفس الكمية والنوعية التي كانوا يحصلون عليها من قبل.