خذ الخبر اليقيين من سميرة توفيق
فى مساء يوم الخميس 21 شباط، اندفع مالا يقل عن عشرة آلاف جندى تركى مخترقين الحدود الدولية المشتركة مع العراق فى مهمة حددها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، بالقضاء على معسكرات "إرهابيى حزب العمال الكردستانى التركي"، وأكد "ان الجيش سيعود بعد انجاز المهمة" مما يعنى عدم تحديد مدة زمنية حيث لا يعرف متى تنجز "المهمة" التى تذّكر بجملة الرئيس بوش بخصوص القوات الأمريكية فى العراق اذ يؤكد منذ اربع سنوات إننا سننسحب بعد "انجاز المهم".
لأول مرة يحدث فى التاريخ الحديث ان تهاجم دولة أراضى دولة أخرى ويقبل رئيس الدولة المخترقة ـ بفتح التاء والراء ـ إعلامه من قبل رئيس الدولة المخترقة بالهجوم دون ان يحرك ساكنا ضده، إذ اتصل الرئيس التركى عبد الله غل هاتفياً، بجلال الطلبانى واعلمه بأن القوات التركية بدأت اختراقها للأراضى العراقية وان الكرد والأتراك إخوة وأقرباء لذا عليهم حل الإشكالات بالتعاون بينهما بينما اتصل اردوغان بالمالكى واخبره بتوغل قوات بلاده فى الأراضى العراقية لتبدو حكومة المالكى بدورها غير قادرة وليست مؤهلة للقيام بالدفاع عن حدود العراق، هذا فيما لو توفرت توفرت النية.
ويبدو ان النية غير متوفرة فعلاً خاصة وإن الهجوم التركى الحالى هو الأوسع من نوعه منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق ورافقته إجراءات أخرى كقصف وتدمير خمسة جسور تربط بين المناطق الريفية وغلق معبر الخابور الحدودي.
وكان مسعود البرزانى قد أعلن فى لقاء أجرته معه فضائية خليجية قبل اقل من أسبوع من الاجتياح التركى أن "قواته ستضطر إلى استخدام وسائل عسكرية لمواجهة الأعمال التركية فى حالة تصاعد إيذائها للمواطنين الكرد وانه سيستخدم الأسلوب العسكرى لمواجهة أية عملية هدفها تنفيذ أجندة دولة إقليمية "تركيا" بخصوص كركوك".
والذى جرى فعلاً ان البرزانى سحب قوات البيشمركة عندما علم بدخول القوات التركية واكتفى بزيارة مناطق قصفتها تلك القوات، ثم اصدر الناطق باسمه بياناً فى اليوم الثالث للاجتياح، قال فيه ان "قوات البيشمركة جاهزة للدفاع عن الحدود العراقية ولكننا قررنا عدم مواجهة القوات التركية" دون أن يوضح من هى الجهة التى ستواجهها ميلشيا البيشمركة ومتى؟!.
لقد ادى تراجع أهمية سياسة الحزبين الكردستانيين "الاتحاد الوطنى والديمقراطي" فى استراتيجية واشنطن فى العراق ومحيطه الإقليمى الى زيادة التنسيق بين واشنطن وانقرة، وذلك ضمن عملية التحالف الاستراتيجى بينهما التى ترسخت وتناولت مؤخرا جرعة كبيرة من المنشطات التى تطلبها الدور التركى الجديد فى المنطقة ضمن تلك الاستراتيجية، حيث ستستمر انقرة فى ممارسة دورها من خلال علاقتها داخل العراق وخارجه إضافة إلى علاقاتها بالدول المحيطة وفق مفهومها الذى يعترف بحقوق الجميع ويرفض الإقصاء ومحاولة ملئ خروج العراق كقوة إقليمية من طرف واحد فقط على حساب الأطراف الأخرى مما خلق حالة عدم التوازن فى المنطقة وأدى إلى زعزعتها وتصاعد مشاعر التحسب والشكوك التى تطورت إلى فقدان للثقة بين دول جوار العراق.
ومن هنا يأتى اهتمام أنقرة بمؤتمر دول جوار العراق الذى اقترحته هى على واشنطن حيث وافقت على تأسيسه أملا فى بلورة صيغة تحالفية إقليمية تجمع تركيا وايران والسعودية وسورية والاردن والكويت والعراق المحتل.
وبما أن الاحتلال وحكومات الاحتلال غير قادرة على جعل العراق مصدر استقرار وتوازن إقليمي، فإن المرحلة الأولى تتطلب البدء فى استراتيجية جديدة تكون لأنقرة فيها كفة راجحة لا تقل عن رجحان كفة طهران التى حققتها بتحالفها مع الأحزاب الطائفية الحاكمة.