من الظلمات الحالكة يولد نور الصباح
محمود فرج
المسلمون أمة لن تموت، بفضل تمسكها بكتاب ربها وسنة نبيها، ومهما طال الليل لابد من طلوع الفجر، هكذا سنة الله فى خلقه، إنه من الظلمات الحالكة يولد نور الصباح.
حول هذا الموضوع يقول الدكتور جمال رجب سيدبى الاستاذ المشارك بكلية التربية بنزوى - سلطنة عمان والاستاذ بجامعة قناة السويس:
أمة الاسلام تملك من مقومات القوة والبقاء، ما يؤهلها للقيادة والريادة، لقيادة البشرية نحو الطريق الذى اراده الله لبنى الانسان فى كل زمان ومكان، ومن أهم هذه المقومات العقيدة الحقة، العقيدة الواضحة التى تلبى اشواق النفس والعقل والفكر، الإله الكامل بكل معانى الكمال "قل هو الله احد" لا مثيل له ولا شبيه ولا نظير، وليس كما يدعى غيرنا من اصحاب النزعات الشركية او الديانات الوضعية من أنسنة الإله، او تأليه الانسان! او عبادة المخلوقات او ما شابه ذلك، جاء الاسلام بهذا الفهم الصحيح بعد ان ارتدت البشرية وتنكبت الطريق القويم فى معرفة الوحدانية، نتاج ما أصاب فطرتها من غيوم وأباطيل، فهذه العقيدة الحقة جاءت لتحرير الانسان من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، ومن جور الاديان الى عدل الاسلام ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة.
فرحم الله الصحابى ربعى بن عامر الذى قال أمثال هذه الكلمات الناصعة امام رستم قائد الفرس، ان دلالة شهادة ان لا إله الا الله تعنى تحرير الانسان من كل ألوان الشرك، والتوجه الى الخالق البارئ المصور، ومن هنا فهم العربى فى شبه الجزيرة العربية حقيقة الوحدانية ببصره وبصيرته، عرفها بسليقته قبل الدليل والبرهان، عرف أن الايمان بالله الواحد الأحد ليس مجرد كلمة تقال إنما خضوع وتذلل وتطبيق وأن معنى الوحدانية الصحيح هو الاذعان والخضوع، وترك كل مخالفات الماضى من عادات وتقاليد بالية، من هنا وقف جهلاء العرب للدعوة الوليدة لأنهم علموا انها ثورة على المفاهيم البالية، ثورة على النظم الاجتماعية والاقتصادية الخاطئة وهم أصحاب منافع ومصالح فأنى لهم ان يتركوا هذا الدين الجديد ينتشر بيسر ودون مواجهة او نزاع!
نخلص من هذا ان اول مقوم من مقومات الامة الحقة، الامة التى يُمكّن الله لها فى الأرض، وهو الايمان بالوحدانية الحقة، عندما استشعر المسلمون حقيقة الايمان كان ما كان لهم من تقدم ورقي، وعندما اراد غيرها ان يودّع هذه الامة وان يعلن دفنها، اذ به فى كل يوم وليلة يرى قيام المارد الجبار من رقاده.
لقد انبهر الغرب بالدفعة الحضارية للعلم والتطور التكنولوجى المذهل ولكن هيهات هيهات بين عقل يعزو الحقيقة العلمية الى مسلمات ايمانية وبين عقل يتنكر لغيب السماء، إن الحقيقة العلمية عندما تتصل بأسباب السماء، عندما يؤمن العقل بأن عالم الشهادة لا ينفصل عن عالم الغيب عندئذ فقط نقول إن العلم فى صالح الانسان، عندئذ فقط يعرف الانسان مركزه الحقيقى فى هذا الوجود، فهو ليس مؤلها وليس مهمشاً وانما هو فى موقع الخليفة "وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة" كانت هذه الحقيقة التى لابد ان نراجع أنفسنا حولها بين الفينة والاخرى، ان المقدمات الصحيحة تؤدى الى نتائج صحيحة وعندما نفهم عقيدة التوحيد حق الفهم، ينتج عنها الآثار الطيبة فى التصور الاعتقادى وفى التطبيق العلمي.
والحقيقة الثانية: إن هذه الأمة لم ولن تموت، ونقصد بالموت هنا هذا الزعم الذى يظنه الغرب، من أن الامة الاسلامية أمست فى خبر كان على المستوى الاستراتيجى والفكرى والحضارى والاقتصادى ولكن هيهات، فالمراقب لما يدور الآن فى العالم الاسلامى يلحظ المبشرات بحياة هذه الامة وتفاعلها فى مضمار الحياة والوجود.
ولعل اول هذه المبشرات وعى العقل المسلم بما يدبر له ويراد به وفى ظننا ان هذا الوضع بات يقلق الغرب قلقاً شديداً، كما ان سماسرة الغرب من الكتاب الذى يحملون لافتة الاسلام والاسلام من فهمهم للدين براء، اصبحوا مكشوفين لعامة المسلمين مما يعبد الطريق أمام الأفكار النيرة والمعتدلة والصحيحة فى فكرنا الاسلامى المعاصر.
والحقيقة الثالثة: الرسالة الخاتمة، او الرسالة والرسول فخاتمية الرسالة وعالميتها ومكانة الرسول فى قلب كل مسلم ينمى الوحدة الشعورية والنفسية بحب الرسالة والرسول، وهما ملاذ كل مسلم صحيح الاسلام، وكما جاء فى الطبرانى أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب آل بيته وقراءة القرآن، وفى الحديث ايضا: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" إن محبة الرسول تعنى محبة الرسالة الخاتمة ومحبة المنهج المحمدي