بلاتيني...أناقة فرنسية الصنع


كان لقب كاس أوروبا للأمم المفخرة الوحيدة لجيل ميشيل بلاتيني، الذي لم يترجم قوته على الأرض إلى ألقاب في مستوى المواهب التي كان يحفل بها. مع ذلك بنى بلاتيني أسطورته الخاصة، بمسيرته مع المنتخب الفرنسي، كما بإنجازاته اللامعة مع فريق السيدة العجوز "يوفنتوس" الذي تربع في عهده على عرش الكرة الإيطالية.
ملكات تقنية هائلة، رؤية لعب كاسحة، بديهة حاضرة أمام المرمى، فضلا عن حس تهديفي عال وركلات حرة حاسمة...مواهب عديدة تضافرت لتضع بلاتيني في قائمة عمالقة الكرة خلال القرن الماضي. من أكبر فريق في إقليم اللورين الفرنسي، نادي نانسي، إلى أكبر فريق في فرنسا آنذاك، سانت إيتيان، إلى عميد الفرق الإيطالية، يوفنتوس، خط اللاعب الفرنسي مسارا أضحى حتى اليوم النموذج الملهم لشباب بلد الأنوار، وإن توالت الاسماء المتالقة وتعاقبت النجوم اللامعة.
كان موعد بلاتيني مع كأس العالم سنة 1978، وهو في سن 23 عاما. كانت محطة تعلم بالنسبة لهذا الشاب الذي وضع الحظ فريقه في مجموعة للموت إلى جانب إيطاليا والأرجنتين المرشحتين بامتياز للفوز باللقب.


غادر الديكة بلاد التانغو مبكرا ، لكن بلاتيني سجل هدفا ضد مرمى حارس الأرجنتين البطل، داقا ناقوس المجد القادم. والملفت أن بلاتيني كان وراء الأهداف المؤهلة لنهائيات الكاس العالمية لسنوات 1978 أمام بلغاريا، و 1982 أمام هولندا و 1986 أمام يوغوسلافيا السابقة. في مونديال إسبانيا رسخ بلاتيني إسمه بين الكبار وهو يقود فرنسا في نصف النهائي الخالد أمام السادة الألمان. يقول بلاتيني عن حدة اللقاء "لقد عشت تلك الأمسية العصارة المركزة من المشاعر التي يعيشها إنسان طيلة عمره".
في المكسيك، كان الحظ الفرنسي أيضا سيئا مع ألمانيا القوية، بنجومها الحاضرين بتفوقهم البدني الكاسح وواقعيتهم المفرطة في اللعب. وقد أبلى الفرنسيون مع ذلك البلاء الحسن بفضل الرباعي الرائع: ألان جيريس، جون تيغانا ولويس فيرنانديز بقيادة بلاتيني في قمة نضجه. وجاءت موقعة نصف النهائي في أعقاب مقابلات حامية مع إيطاليا في الثمن ثم مع البرازيل، والتي وصفها بيليه بمقابلة القرن.
أما خارج حكاية الحظ التعيس مع كأس العالم، فقد ضرب جيل بلاتيني بقوة في كأس أوروبا لسنة 1984، الذي عاد لأبناء ملعب حديقة الأمراء، إثر مسيرة ناجحة توجها بلاتيني بتسجيل تسعة أهداف من خمس مقابلات.
مع يوفنتوس راكم بلاتيني الإنجازات واحدة تلو الأخرى، لقبان للدوري، لقب كأس كأس أوروبا للفرق الفائزة بالكأس، كأس أوروبا الممتازة، كأس أوروبا للفرق البطلة وكأس القارات. ولأنه من هواة تحطيم الأرقام القياسية، فقد حصد بلاتيني لقب الكرة الذهبية الأوروبية ثلاث مرات متتالية.


مسيرة بلاتيني لم تخل من الندوب التي خلفت أثرها على شخصية الرجل داخل وخارج الملاعب. لقد كان النجم الفرنسي شاهدا على مأساة هيزل التي حولت لقاء للكرة بين يوفنتوس وليفربول إلى ساحة موت، بعد أن حسم بلاتيني النتيجة بركلة جزاء. يقول بلاتيني عن هذه التجربة "لقد تسلمنا الكأس في مستودع الملابس. لم تكن تلك رؤيتي لكرة القدم".
انخرط بلاتيني في مغامرة التدريب على أعلى مستوى وهو يمسك إدارة المنتخب الفرنسي. لم تكن نتائجه عند انتظارات الفرنسيين لكنه اكتشف جيلا بكامله من قبيل ديدي ديشامب ودافيد جينولا والثنائي بابان-كانتونا.
لن يغادر بلاتيني عالم الكرة إلا ليعود إليه من موقع آخر. حينما اعتزمت فرنسا الترشح لتنظيم كأس العالم 1998، استعانت بخدمات نجمها التاريخي في الإشراف على اللجنة التحضيرية. ونجح الرجل في مسعاه مبينا عن قدرات تدبيرية ودبلوماسية عالية، فكان ان كافأه الديكة بحصولهم على اللقب الثمين. وانفتحت لبلاتيني أبواب الفيفا مدعما لبلاتير ومدعوما به، ليتوج مساره الجديد بانتزاع رئاسة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم من السيطرة الطويلة للسويدي يوهانسون. وأكد بلاتيني أنه سيسعى من موقعه الجديد إلى إعادة الاعتبار إلى الكرة كلعبة أولا. هدف عزيز في ظل هجمة قوى المال والتجارة على محيط الرياضة الأكثر شعبية في العالم..

__________________