مايكل شوماخر
لقد قال أحدهم: إن مايكل شوماخر هو السبب الذي يجعل الجميع يتابعون سباقات الفورمولا واحد، فالبعض يريدون رؤيته يفوز والبعض الآخر يريدون رؤيته يهزم. وفي كلتا الحالتين، أدهش شوماخر الملايين من عشاق الفورمولا واحد وأصبح مِثالاً يحتذي به باقي السائقين ولعقدٍ على الأقل.

ومع حملٍ كهذا على عاتقه، واجه الألماني تحديا من نوع اخر عندما قبل أن يكشف للمعجبين عن شهرته، أمواله، زملائه في الفرق التي انتسب إليها، منافسيه (أو بالأحرى النقص في منافسيه)، سيطرة الفيراري وأخيرا عن اعتزاله الرياضة. عندما كان شوماخر مراهقا كان يذهب إلى حلبة الكارتينغ حيث كان يعمل والده وينتظر حتى يدمر أحد «الأغنياء الأكبر سنا« سيارته الفاخرة. وعندها، وبعد أن يغادروا، كان يذهب إلى مكان الحادث فيبحث بين البقايا عن قطع يمكنه أن يستعملها في سيارة الكارتينغ الخاصة به التي كان يبنيها بنفسه. منذ عشرين سنة تقريبا صرّح شوماخر والبسمة على فمه: «سيارتي كانت مبنية من القطع المستعملة«.

وهو اليوم يتلقى أعلى أجر بين الرياضيين كما أنه يعتبر من أنجح السائقين في عالم الفورمولا واحد. يقابل شوماخر مئات الصحفيين كلّ سنة، ويجيب عن آلاف الأسئلة. فلا يمكن أن يخطر على بالكم سؤالٌ لم يطرح عليه بعد وقد لا يمكنكم تخيل بعض الأسئلة التي سئلت. فمثلا في هنغاريا هذه السنة، وقبل أيام من معادلته لرقم بروست القياسي بـ 51 انتصارا، وقبل أن يكتب فصلا جديدا في تاريخ الفورمولا واحد، عقد مؤتمرا صحفيا مع مجموعة من المراسلين وبكل ثقة لا نجدها عند غيره من الرياضين، أجاب شوماخر عن الأسئلة. «ما هو معدل الذكاء لديك؟« سأل أحد الصحفيين. حدق شوماخر كعادته عندما يسأل ما لا يعرف كيف يجيب عنه.

«أنا حقا لا أعلم ولا أهتم« أجاب شوماخر ثم أضاف: «أنا مجرد شاب عادي يمكنه أن يقود أسرع من غيره بقليل«. وكان هذا جوابا دبلوماسيا من قبله. فهو في النهاية يمكن اعتباره رجلا عاديا فهو لا يبدو مميزا في ملابسه أو في مظهره. وبالرغم من هذا لا يمكن أن تجد من هو أكثر سحرا في مجال سباقات السيارات، أقله ليس حاليا! وشوماخر لا يمكن تجاهله سواء أحببته أو كرهته لأنه يثير فيك تلك المشاعر فمن المستبعد أن تجد شخصا لا يشعر نحوه بشيء ما خاصة بعد أن حكم عالم الفورمولا واحد لسبع سنوات وربح بطولة العالم سنة 2001 بفارق شاسع من النقاط. من الفقر إلى الثروة..

سيرة شوماخر الشخصية أشهر من أن تعرّف: ولد في ألمانيا 3/2/1969 وترعرع في تلك المنطقة الريفية من ألمانيا. أمه، إليزابيث كانت رّبة منزل ومن ثم أدارت مطعما للوجبات السريعة في حلبة الكارتينغ المحلية حيث عمل والده رولف مصلحا، علما بأنه كان بنّاء. كانت طفولته متواضعة. فهو يقول انه تربى على القيم العائلية والانضباط والعمل الشاق وطبعا على حسّ الانتماء لمجتمعه.

وهذه هي القيم التي رافقته في مراهقته: فهو لم يصبح ذلك الشاب الذي يمضي معظم وقته في حفلات أو في العبث مع العارضات. ولكنه عمل جاهدا وهو بدأ العمل منذ عمر الست السنوات! «أنا لم أخطط لأصل إلى ما أنا عليه اليوم« قال في أحد الأيام. «قمت بكل هذا لمجرد المتعة، كهواية وكان ذلك مع معدّات وضيعة«. ولكنه أضاف: ان عمره ووزنه ساهما بشكل بارز وربما لهذا السبب كان يفوز في عمرٍ صغير. يعتقد البعض أن شوماخر شخص متعجرف ولكن أجوبته تظهر العكس فهو متواضع لأبعد الحدود. فهو يردّ سبب نجاحه في صغره لوزنه الخفيف أما نجاحه اليوم فسببه أنه يقود أفضل سيارة ولأنه محظوظ جدا لكنه أبداً لم يمدح قدراته. علاقته بزوجته كورينا معروفة جدا. كانت صديقة فرانتزن عندما تعرّف عليها شوماخر لأول مرّة ثم أصبحت صديقته في وقت قصير.

ولم يفترقوا منذ 1991 ويعيش الثنائي حياة خاصة لعائلة عادية في ملكية مستأجرة في سويسرا قرب بحيرة جنيفا. لديهما طفلان: فتاة صغيرة، جينا - ماريا وعمرها أربع سنوات (وهي، منذ الآن تقود سيارة كارتينغ بنيت خصيصا لها ويقول والدها: إنه لايزال من المبكر القول ما إذا كانت ستصبح سائقة في أحد الأيام) وهنالك أيضا مايك الذي يبلغ الثانية من العمر. ويملك الثنائي عددا من الأحصنة (غرام كورينا الكبير!) وعدّة كلاب اثنان منها يدعيان بيرني وماكس. ولا يشعر شوماخر بالمتعة على الرغم من أنه يجني ما يزيد على 50 مليون دولار سنويا، وبالرغم من أنه يملك طائرة خاصة، وهو قريبا سيشتري أرضا في الجانب الألماني لسويسرا (لكي يتمكن الأولاد من الذهاب إلى مدرسة تعلم الألمانية كي يتمكن الوالدان من مساعدتهما في فروضهما المنزلية).

فبرأيه الشيء الجيد هو الشعور بالأمان المالي والاستقلالية ولكن السيىء بالأمر هو أنك لا تستطيع أن تستمتع بكل هذا وأعطى مثلا عن هذا: «اشتريت قاربا لكنني لم أستطع الاستمتاع بالأمر بسبب المصورين وهذه ليست الطريقة التي أريد العيش بها! ولكن، ولكي أكون صريحا، أنا أعترف بأني في موقف جيد وأنني لا يمكن أن أشتكي. فسوف يأتي وقتٌ أصبح فيه أقل شهرة وعندها سأتمكن من التجوال بحرية والقيام بالأشياء التي أريدها ولكن هذا لن يكون الآن، ولا في السنوات الخمس القادمة«.

ربح شوماخر أول مبلغ من المال في سباق الفورمولا ثلاثة في «ماكو«. تفاجأ عند فوزه بالمبلغ فهو لم يكن يتوقع هذا، كما أنها كانت أول مرة يربح فيها أي جائزة. علم عندها أن أهله يعانون من مشاكل مالية وأنهم يدينون بالمال فقرر أن يعطيهم المال بما أن ما كان يجنيه كان كافيا لدفع ايجاراته ومصروفه الشخصي. واليوم يعيش أهله في بحبوحة ولكن مستوى عيشهم لم يختلف عمّا كان عليه فمثلا كان باستطاعة رولف، أن يلعب دورا أبرز في حياة ولده شوماخر لكنه قرر أن يترك هذا العمل لمديره الحالي «ويلي وابر« وبقي في إدارة حلبة الكارتينغ التي أصبحت اليوم حلبة شوماخر وتعيش إليزابيث في مسقط رأسهم والمعلوم أن والدي شوماخر منفصلان اليوم.

محور الاهتمام.. في لحظة ضعف، صدم شوماخر فيلنوف عن قصد في السباق الفاصل لبطولة 1997 ولم يبق أي مشجع للفورمولا واحد لم ينتقد السائق الألماني. وطالبت الصحافة بأن يحرم لعدة سباقات في مطلع الموسم الذي يليه. وكان من المثير للعجب أن نسمع تعليق أحد المسئولين في فريق منافس للفيراري. فقال: إن أحدا من القيمين لن يرضى برؤية شوماخر خارج السباقات لأنه يعتبر عنصرا أساسيا في جذب المشاهدين. فالكل يشاهد السباقات اما ليروه يربح وإما يهزم.

وعندما سئل شوماخر عن كونه محطّ الأنظار وعن مدى العبء الذي على كاهله، أجاب قائلا: إنه جزء من الفيراري وبالتالي عليه التزامات تجاه الفريق والعبء الذي يتحمله صغير مقارنة مع ذلك الذي يتحمله باقي الأعضاء وخاصة «جان تود«. ويقول شوماخر انه ارتكب أفظع أخطائه في بداية ومنتصف حياته المهنية وشرح ذلك قائلا: إن الإنسان لا يكون في تلك الآونة مطلعا على الأمور عن كثب فهو مثلا لم يكن يعلم كيف يتعامل مع الصحافة والناس الذين حوله ولكنه مع الوقت تعرّف عليهم، وهم عليه، وأصبح قادرا على الانفتاح عليهم مما سمح بالمزيد من الاستقلالية من دون الحاجة لمراقبة كلّ كلماته. ويعترف الصحفيون اليوم بأنهم يشعرون بالراحة معه أكثر من قبل وهم يثقون به أكثر. ولكن هذا لا يعني أن الكل معجب به.

ومثل عن هذا أحد الصحفيين البريطانيين مشجع «هيل«، قابل شوماخر وقال عن ذلك اللقاء: إنه لم يكن بالكارثة ولكنه على العكس يمكن أن يحب شوماخر. والعديد منهم يحبونه. بعد حادثة الولايات المتحدة، صرّح شوماخر قائلا انه سيقوم بواجبه ألا وهو القيادة ولكن لن يعد بأكثر. وعلى الرغم من هذا فإنه لا أحد من الصحفيين لم يدنه! ينتقد البعض فريق فيراري لأنه تحول إلى فريق شوماخر فالكلّ يحبه ويعتبره المحور الأساسي وجان تود لا يعترض على هذا. فتعامُل شوماخر مع من حوله في الفريق هو ما يجعل منه شخصية محبوبة ومقدّرة.

ففي سباق بلجيكا وبينما الكلّ كان يشعر بالهزيمة جرّاء النتيجة السيئة للتجارب الرسمية، كان شوماخر الوحيد المتفائل فكان ينتقل من شخص إلى آخر ومن ميكانيكي إلى آخر لكي يسمعهم كلام التشجيع وفيما بعد اعترف براون بأن شوماخر ربما كان الوحيد الذي أمن في ذلك السباق ودفعه امانه للاستمرار. وعندما سئل ما إذا كان مؤمنا حقا بما قاله ذلك النهار، أجاب شوماخر بالإيجاب وأضاف: انهم كانوا يعانون من مشاكل في ِ مس وهذا يمكن إصلاحه ولكن إصلاح سيارة سيئة أمرٌ مستحيل. وفي كل الأحوال أنهى شوماخر سباق فِس في المركز الثاني ولكنه ربح السباقات الأربعة التي تلت وربح البطولة.

فلا عجب إذاً أن يكون الفريق مخلصا لشخصه! ونموسم رائع... أبدا لم نر شوماخر مرتاحا كما كان عليه في هذا الموسم. فهو قد حقق تقريبا كل الأهداف التي وضعها نصب عينيه على الرغم من قوله: إنه بدأ يسابق للمتعة فقط. ويحرص شوماخر على إظهار موسم هذه السنة أصعب مما بدا عليه وعندما يسأل عنه، يقول: إنه بالنظر إلى نقاط هذه السنة، وإلى الفرق بينه وبين أقرب منافسيه، يعتقد البعض أن الموسم كان سهلا عليه. ولكن ليست هذه هي الطريقة لتقييم الأمور. «يجب أن ننظر إلى أوقات اللفات لنرى كم كانت المنافسة كبيرة«.

وعندما سئل عما إذا كان مشتاقا للمنافسة التي حظي بها السنة الماضية من قبل هاكينين، أجاب شوماخر أن المنافسة كانت موجودة هذه السنة أيضا ولكن الفرق هو أنه في العام الماضي كانت محصورة بينه وبين هاكينين بينما تنافس 3 أو 4 أو5 سائقين هذا الموسم وكان هو دائما واحدا من هؤلاء ولكنه لطالما حظي بمنافس وكان عليه العمل جاهدا للمحافظة على صدارته. ويقول شوماخر: إنه على الرغم من أنه لم يكن يفكر بكسر كل تلك الأرقام القياسية فإنه لم يتجاهل هذا الموضوع فهو فرح جدا بإنجازاته ولن ينكر هذا الشيء ولكن هذا الأمر لم يكن من أولوياته وبالرغم من هذا، يعني له الشيء الكثير لأنه ربما تمكن أخيرا من كتابة صفحة جديدة في التاريخ. قيل عن بروست: إن الربح بعد كسر الأرقام القياسية يصبح لا معنى له ولكن شوماخر يصرّ على أن لكل فوز حلاوته ولا يمكن للإنسان أن يتعود الفوز وربما لأن فوزه كان على مراحل ولم يكن متتاليا وهو يتساءل هل ستتغير مشاعره لو أنه ربح السباقات واحدا تلو الآخر؟ هو يعتبر أن التقلبات، ربحا وخسارة، هي ما تجعل من الفوز ذا نكهة خاصة فلولا الخسارة لما وجدنا الفوز رائعا . شوماخر ومشجّعوه.. ومن غير الدقيق القول: إن الكل يكن التقدير لشوماخر.

في السنوات الماضية كان من الصعب، بل من المستحيل، معرفة مدى شعبية السائق. ولكن شوماخر في عصر يستطيع الكلّ أن يراقب تحركاته سواء على الشاشة أو عبر الإنترنت حيث يلعب دور البطل والشرير في نفس الوقت كما يحتل المركز الأول في النقاش ويعترف شوماخر وبحسرة بأنه لا يمكن أن يجعل الجميع يحبونه فالبعض يشجعه ويدعمه والبعض الآخر يدعم غيره من السائقين وربما يكرهونه وهذا طبيعي وهو لا يستطيع أن يبدل الأمور. وعندما قيل له: إنه أفضل سائق عرفته الفورمولا واحد في السنوات العشر الماضية، تفاجأ الجميع عندما نفى شوماخر هذا قائلا: «لا يمكنني أن أقول: إني الأفضل لأن هذا سيبدو تعجرفا من قبلي، يمكنني القول: إنني كنت الأسرع أو الأحسن فأنا لا أعرف حتى ما هي المعايير التي قد تؤخذ بعين الاعتبار لنصل إلى مِثل نتيجة كهذه!«.

وشوماخر لا يخشى المنافسة بل يرحب بها. ويقول: إن البعض ينتقد كونه لم يحظ برفيق في الفريق ينافسه. ولكنه يقول: إن هذا ليس صحيحا فهو حظي بفرشتابين، بيكت، هيربيرت، بارتيز. وتعليقا على هذا يقول: «تبحث الفيراري، عندما تقرر أن تضُم سائقا آخر إلى فريقها، عن الخيار الأفضل ولست أنا من يقول لا أريد فيلنوف أو كولتارد بل هم الذين يقولون: «لا، لا أريد القيادة إلى جانب مايكل شوماخر فماذا يمكنني أن أفعل؟ ليست مشكلتي إذا لم يرغبوا في الانضمام إلينا، لا لن أقول الكلمة التي خطرت في بالي.

ولكن فليعلم الجميع أنني لست المشكلة!«. وإذا سألت شوماخر عن سائقه المفضل، تأكد أن جوابه سيكون «سينا« فالألماني يحمل في قلبه حبا للبرازيلي لا يمكن وصفه. وفي مناسبات عدة، صرّح شوماخر عن هذا الشيء حتى انه بكى عندما كسر الرقم القياسي للبرازيلي السنة الماضية في سباق إيطاليا فسينا هو المِثال الأعلى لشوماخر.

وفي أحد الأيام سئل شوماخر ما إذا كان فوزه بأربع بطولات كان ممكنا لو أن سينا لايزال على قيد الحياة فأجاب شوماخر أن لا أحد يعرف هذا الجواب وهو لا يحب أن يفكر في الموضوع لأنه لا يملك الجواب وكلّ ما يمكن فعله هو التكهن. قال هاكنين: إن شوماخر سيعتزل قريبا وصرّح روس براون عن حديث عن الاعتزال في سباق إيطاليا، فكم سيبقى شوماخر على عرش الفورمولا واحد؟ عِلما بأنه حقق، تقريبا، كل الأهداف التي يمكن أن تقدمها الرياضة.

قال فانجو عندما قرر الاعتزال: إنه حقق كل ما أراده وانه حان الوقت لافساح المجال لغيره من السائقين. ولكن شوماخر لم يصل بعد إلى هذه المرحلة فهو، وكما صرّح، لايزال يستمتع بالمنافسة ولايزال يشعر بأن له الحق في التنافس ولكنه يعترف بأنه في يوم من الأيام سيتوقف ولكن ليس الآن! والمعروف أن شوماخر صرّح في عدة مناسبات بنيته الانسحاب عندما يأتي سائق شاب يدفعه إلى تخطي حدوده ولكنه لا يرى اليوم شخصا بهذه الصفات فهو يقول إنه لا يمكن الحكم خاصة بعد «جنسن باتون«.

فالكل توقع أن يكون باتون هو البطل القادم ولكن ماذا جرى له؟ هل كان «فيسيكيلا« أقوى منه؟ أم انه تحطم؟ يصعب الحكم على السائقين فمونتويا، رايكونين، هايدفيلد ممتازون ولكن يعلم شوماخر أنه في يوم من الأيام، سوف يكون عليه الانسحاب ولكنه سيظل يحظى بالمشجعين كما بالأعداء.

ولكن الأهم لديه هو أنه استطاع بناء مستقبله بمفرده وهو اليوم على ما هو عليه بفضل جهده ومثابرته. فلو استطاع الناس رؤية حقيقته، عندها سيكون سعيدا ولكنه يعلم أيضا أنه لا يمكنه التحكم بنظرة الناس له.

وكل ما يستطيعه هو أن يكون فخورا بنفسه وبإنجازاته!