الأمة العربية حقيقة موضوعية , و وحدة الواقع القومي حقيقة موضوعية أيضا , حقيقة موضوعية بمعنى أنه لا يفيد تجاهلها أو إنكارها , لأن تجاهلها أو إنكارها لا يلغي وجودها , و كذلك الأمر بالنسبة للوحدة الموضوعية للواقع القومي العربي , لا يفيد في شيْ تجاهلها أو إنكارها بل العكس تماما هو الذي يحدث , تخلف و مزيد من التخلف , و تبعية ومزيد من التبعية , و هزائم و مزيد من الهزائم و الانكساريات التي أصبحت تهدد وجودنا ذاته .
هذا لان الوحدة الموضوعية من الواقع القومي تعني الوحدة الموضوعية لكل مشكلاته , و كذلك الوحدة الموضوعية لحلول هذه المشكلات , بدقة تبغي التأكيد , أن المشكلات أيا كان نوعها هي نبت واقعها , و حلول هذه المشكلات هي أيضا من نبت هذا الواقع , فالواقع العشائري يفرز مشاكل عشائرية وحلول عشائرية لهذه المشاكل , و الواقع القبلي يفرز مشاكل قبلية و حلول قبلية لهذه المشاكل القبلية , و الواقع الشعوبي يطرح مشكلات شعوبية و حلول هذه المشاكل تكون شعوبية , أما إذا كان الواقع قوميا فإنه يولد مشكلات قومية و حلولا قومية لهذه المشكلات , ويترتب علي ذلك , أننا نخطئ خطأ فادحا إذا استبدلنا الحقيقة الموضوعية للواقع بواقع أخر غير حقيقي خادع , لأننا في هذه الحالة نقوم بعملية تزييف للواقع و من ثم تزييف للمشكلات و طرح حلول غير صحيحة , فيظل الواقع على حاله , إن كان متخلفا يظل متخلفا , و إن كان محتلا يظل محتلا و إن كان تابعا يظل تابعا , و إن كان متخلفا و محتلا وتابعا يظل على حاله متخلفا محتلا تابعا , هذا في الوقت الذي نكون فيه في غاية الانشغال النضالي النظري و الحركي لمقاومة التخلف أو الاحتلال أو التبعية أو الاستغلال أو الأربعة معا , و لكنه للأسف جهد ضائع لأنه غير ملتزم بسنن الله في خلقه , غير ملتزم بسنة التطور الاجتماعي , لما يتعامل مع الواقع كما هو و من ثم فقد القدرة على معرفة المشكلات في صبغتها الاجتماعية الحقيقية و بالتالي فقد القدرة للوصول للحلول الصحيحة لمشكلات واقعه , إنه جهد شبيه بجهد الثور الذي يدور بالساقية معصوب العينين .