موفقه اختنا الفاضله قرة العين على مواضيعك القيمه التي تدعوا للحق والطاعه
عندما يتأمل المتأمل في روايات المعصومين (ع) يجد أنهم يتطرقون إلى بعض الأمور بشيء من التأكيد ، يتجلى من خلال شدة التعبير وقوة التمثيل ، لردع أصحابها عن ارتكاب تلك الأمور ..فإننا نلاحظ غفلة معظم الخلق عن حقائق واضحة ، بها قوام سعادتهم في الدنيا والآخرة ، وعليه فإن التذكير بهذه الحقائق الجامعة بين الوضوح والمصيرية في حياة العباد ، يحتاج إلى شيء من العنف والشدّة لتحريك هذا الوجدان ، بما يوجب انقلاباً في النفس يوقظها بعد طول سبات ..ومن هذه الروايات المعبّـرة عن شدة تأذي أولياء الحق من طبيعة علاقة العباد بربهم ، ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : { ما أعرف أحداّ ، إلا وهو أحمق في ما بينه وبين ربه }البحار-ج78ص107.
إن الاعتقاد بأن الشياطين ( يحومون ) حول قلوب بني آدم ، وأن له سلطاناً على الذين يتولونهم ، يستلزم ( الحذر ) الشديد أثناء التعامل مع أي فرد - ولو كان صالحا - لاحتمال ( تجلّي ) كيد الشيطان من خلال فعله أو قوله ، ما دام الشيطان يوحي زخرف القول وينـزغ بين العباد كما ذكر القرآن الكريم ، وهذا الحذر من المخلوقين من لوازم انتفاء العصمة عنهم ..ومن ذلك يعلم ضرورة عدم الركون والارتياح التام لأي عبدٍ - وإن بلغ من العلم والعمل ما بلغ - كما يقتضيه الحديث القائل: { إياك أن تنصب رجلا دون الحجة ، فتصدقه في كل ما قال }البحار-ج73ص153.
إن الدعوة إلى الله تعالى منصب مرتبط بشأن من شؤون الحق المتعال ، ولهذا قال عن نبيه (ص): { وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا }..فمالم يتحقق ( الإذن ) بالدعوة ، لكان الداعي ( متطفلا ) في دعوته ، غير مسدد في عمله ..فالقدرة على التأثير في نفوس الخلق ، هبة من رب العالمين ، ولا يتوقف كثيرا على إتقان القواعد الخطابية ، فضلا عن تكلف بعض المواقف التي يراد منها تحبيب قلوب الخلق ، وقد ورد في الحديث: { تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو ، خطيبا مصقعاً ، ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم ، وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه بلسانه ، ولقلبه يزهر كما يزهر المصباح }الكافي -ج2ص422..ولهذا عُـبّر عن بعضهم - من ذوي التأثير في القلوب - بأن لكلامه ( قبولاً ) في القلوب.
عندما يتحقق العمل القربى منتسباً إلى الله تعالى ، فإن شرف ( الانتساب ) إلى الحق أشرف وأجلّ من ( العمل ) نفسه ، سواء كان ذلك العمل كثيرا أو قليلا ..فالعبد الملتفت لمرادات المولى ، يجاهد في تحقيق أصل ( العُلقة ) ، ولا يهمه - بعد ذلك - حجم العمل ولا آثاره ..لأن العمل مهما بدا للعبد جليلا ، فهو حقير عند المولى الذي تصاغر عنده الوجود برمّـته ، بخلاف علقة الانتساب إليه ، فانه شريف لكونه من شؤونه تعالى.
إن السيطرة على قلوب المخلوقين ولو لغرض راجح - كالهداية والإرشاد - تحتاج إلى ( تدخّل ) مقلب القلوب ومن يحول بين المرء وقلبه ..وعليه فلا داعي لاصطناع الحركات الموجبة لجلب القلوب كالتودد المصطنع ، أو حسن الخلق المتكلَّف ..فما ( قيمة ) السيطرة على القلوب أولاً ؟!..وما ( ضمان ) دوام السيطرة الكاذبة ثانياً ؟!..وحالات انتكاس علاقات الخلق مع بعضهم - بدواع واهية - خير دليل على ذلك.
ليس المهم في دعوة العباد إلى الله تعالى ، كسب العدد والتفاف الأفراد حول الداعي ..وإنما المهم أن يرى المولى عبده ساعياً مجاهداً في هذا المجال ..وكلما اشتدت ( المقارعة ) مع العباد ، كلما اشتد ( قرب ) العبد من الحق ، وإن لم يثمر عمله شيئا في تحقيق الهدى في القلوب ..فهذا نوح (ع) من الرسل أولي العزم ، لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، فما آمن معه إلا قليل ، بل من الممكن القول بأن دعوة الأنبياء والأوصياء لم تؤت ثمارها الكاملة كما ارادها الله تعالى لهم ، وهو ما نلاحظه جلياً في دعوة النبي وآله (ع) للأمة ، إذ كان الثابتون على حقهم هم أقل القليل ..فالمهم في الداعي إلى سبيل الحق ( عرض ) بضاعة رابحة ولا يهمه من المشتري ؟!..وما قيمة البضاعة الفاسدة وإن كثر مشتروها ؟!..أضف إلى كل ذلك أن أجر الدعوة ودرجات القرب من الحق المتعال ، لا يتوقف على التأثير الفعلي في العباد