بارك الله بكم اخي رافد ورزقكم الله شفاعة الشافعين من ال طه صلوات الله عليهم اجمعين
المراد من الشفاعة في الآية المباركة (وَلا يَشْفَعُونَ إلاّ لمَن ارتَضى)معناها الظاهر، وهو أن يطلب من صاحب الحقّ الإغماض عن تقصير المقصّر وعدم أخذه به لكرامة الشفيع ووجاهته عند اللّه، فإغماضه عن تقصير المقصّر وعدم أخذه به لكرامة الشفيع ووجاهته عنده أمر حسن عند العقل والعقلاء، وليست الشفاعة بهذا المعنى أمراً صورياً.
وحيث إنّ ظاهر الآية المباركة ما ذكرنا، فيؤخذ به ولا تُرفع اليد عنه إلاّ بقرينة عقلية أو نقلية، والعقل لا يرى مانعاً من شمول الرحمة الإلهية للعصاة بواسطة شفاعة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) تكريماً لهم لمقامهم عند اللّه تعالى وبذل أعمارهم الشريفة في نشر الدّين وإبلاغ أحكامه وإعلاء كلمته، ولا مانع عقلاً من قبول الشفاعة بل مطلق العفو على نحو التفضّل لا على نحو الاستحقاق.
كما أنّ المراد بـ(من ارتضى) في الآية هو ارتضاء دينه، فلا يعمّ العفو المشرك لقوله تعالى: (إنَّ اللّه لا يَغْفرُ أنْ يُشْرَك به) وليس المراد بالارتضاء استحقاق دخول الجنّة كما ذُكر في السؤال.
وأمّا النقل، فالروايات الواردة في شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) كثيرة، بل هي متواترة فلا مجال للنقاش فيها، وهذه هي عقيدة الشيعة المستفادة من الآيات والأخبار الشريفة، وخلافها خروج عن عقيدة الشيعة.
أن الله سبحانه يغضب ويرضى ، ولكن سبقت رحمته غضبه ، وكذلك النبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام ، وهم في نفس الوقت الذي يحاسبون الخلائق بأمر من الله ، فإنهم يشفعون للمؤمنين عند الله ، ويطلبون منه العفو والمغفرة ، ولا تنافي بين الآمرين .
تقوية العقيدة تحصل بتقوية الارتباط ، والارتباط يحصل بالتوسّل بهم ، وبمطالعة أحوالهم والتدبّر والتأمّل في سيرتهم ، ودراسة تعاليمهم وتطبيق آدابهم .
قد وردت نصوص تفيد أنّ الظالمين لآل محمد (عليهم السلام) آيسون من رحمة الله ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم .
وأمّا من لم يظلمهم (عليهم السلام) ولكن ظلم شيعتهم ، فتارة ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيت (عليهم السلام) فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة .
وتارة اخرى ظلم شيعتهم بعنوان آخر غير عنوان كونهم شيعة لأهل البيت (عليهم السلام) ، ولكن ظلمهم بعنوان شخصي مثلا ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم حسب مافي الروايات معلّق على أداء الحق الى اصحابه . فإذا ادّى هذا الانسان الظالم الحقّ الى اصحابه أو استبرأ ذمّتهم ، فحينئذ يبقى الحق الخاص بالله تبارك وتعالى ، لان ظلم العباد فيه حقّين : حق الله وحق العبد ، فاذا سقط حق العبد بقي حق الله ، وهذا يمكن ان تعمّه الشفاعة .
أمّا اذا لم يسقط حق العبد ، يعني لم يعد الحق الى صاحبه ولم يستبرء ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة ان الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحق ، ولكن قد يستفاد من بعض الروايات من الممكن ان الله عز وجل لبعض الاعمال الصالحة لهذا الانسان الظالم ، يرضي عنه خصومه يوم القيامة ثم ينجّيه . ويظهر من هذا توقف النجاة على الرضا . فهنا يمكن الشفاعة تتناول هذا القسم .
فالخلاصة : من ظلمهم (عليهم السلام) لا تشمله الشفاعة ، واما من ظلم شيعتهم لتشيعهم فهو ناصبي فلا تشمله الشفاعة . وان لم يكن لتشيعهم فيدخل في مظالم العباد ، فان ادّى الحق أو ابرأ الذمة ، فتشمله الشفاعة ، والا فلا تشمله الشفاعة إلا ان يرضي الله خصومه .
أما كيف يرضي الله خصومه ؟ فيمكن ببعض الاعمال الصالحة من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه . وهذه مسألة متروكة الى الله تعالى .
ثم ان المتبادر من ظالميهم من ظلم مقامهم الاكبر ، وظلم ولايتهم ، وانكر مودّتهم ، أو ما شاكل ذلك . فمن اعتقد ان الشفاعة تشمله ، فهو منحرف الاعتقاد . وأمّا لو ان شخصا يحب الامام الحسين (عليه السلام) مثلا ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة ، فظلمه بدينار مثلا ، فهنا يمكن للامام (عليه السلام) ان يعفو عنه ويصفح عنه ، لانها مظلمة شخصية مادية ، فهنا يمكن ان تناله الشفاعة ، لان ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهم (عليهم السلام) وانكار لمقامهم .