فضفضة

.............

شعر / محمود عبد الصمد زكريا

.....................................

يقولُ الذي لا يقولُ:

إذن .. ليس أجمل منكَ

سوي أن تخُشّ َ إليكَ ..

وهذا جنونٌ أليفٌ

فلا تخش منه علي الآخرين .

...................................

إنه رجلٌ ذو ذبولٍ فسيح ٍ

وفرع ٍ نحيلْ.

ربّما نفقٌ غامضٌ ؛ مذهلٌ

وطويلْ.

قيلَ لنا : كان يتقدّم الصف َ

يُفسِر مخطوطة َ الأولين ؛

يقيس المسافة َ

ما بين خاصرة ِ الشمس ِ

والأرضِ

يعيد الحروفَ لأشكالها

لكنه اليومَ يقعي علي حافة ِ الموتِ

كالقِدرِ ؛ أو كالسياج ْ

..........................................

حين جئنا إليه

فتيً تتحامق فيه الفحولة ُ..

ثم فتاة ٌ تطارد أحلامها

تتظاهر بالحزم ِ ..

جئنا نفتش في زهوه ِ

المتسربل بالحزن

- يا ربّما - عن دليلْ.

وكانت له شهقة ٌ من ندي

وكانت له دمعة ٌ من حرير ْ..

كأنّا بنبع ٍ ثريّ ٍ ؛ ذكيّ ٍ

شذيّ ٍ ؛ بخيلْ.

.........................................

- إلي أين يأخذك الوقتُ يا سيدي ؟

- إلي ورق ٍ يابس ٍ ؛ وزفير ٍ عليلْ.

- أما من سرير ٍ مريح ٍ تحن إليه ؟

- هنالك ؛ في آخر الأفق ِ لي سِدرة ٌ

سوف آوي إليها إذا ما تعبت ..

وظِلٌ لديَ بكل ِ جدار ٍ ؛ ظليلْ.

وماذا تري في الجوار ِ ؟

- بقايا متاع ٍ

زخارفَ من تالف ِ القول ِ

لا شئ َ من تحتها غيرُ زاد ٍ قليلْ.

-وماذا عن الشعر ِ يا سيدي ؟

راحَ يفرُكُ كفيه في حسرة ٍ ؛ ويتمتم

ثم تهدهدَ بالقول ِ ؛ قالَ :

نخونُ ..

أو لا نكونْ.

إنهُ عبثٌ مُلغزٌ ضيّعَ الحُلمَ في الوهم ِ

لا سبيلَ إلي الشِعرِ إلاّ الجنونْ.

هذه نقطة ٌ للأجابة ِ بعد سؤال ٍ طويلْ.

لم يكن أي شئ ٍ به رائقٌ ..

لم يكن من سبيل ٍ

ولا من دليل ٍ

سوي أن نكونَ ..

وألاّ نخونْ.

ربّما أن نجنَ

هو المدخلُ المنطقي إلي المشتهي

هو الهربُ المنطقي إلي عالم ٍ من حنينْ.

ما الذي سوف يبقي لنا

بعد أن ننفق العُمرَ في الشِعر ِ ؟

ليس سوي وهج ٍ عابر ٍ

وظلال ٍ من الظن ِ

وتعزية ٍ فجة ٍ

وذبول ٍ جميلْ .

- وماذا عن الحب ِ يا سيدي ؟

راح يكبح في نفسه رغبة ً في التكتم ِ

أو في العويلْ.

- الفتاة ُ التي قبلتني علي ساحل ِ الشعر ِ

في أوّل ِ العمر ِ ؛ ظلت معي ..

وكم من نساء ٍ أتين ؛ مضين

ولم يبق منهن شئ ٌ ..

ولكنها فوق أرجوحة ِ الحلم ِ

ظلت ترتب لي عرشَ بيت ٍ

وتفرشُ ظِلاّ ً

وتزرع بالحب ِ زهراتها ..

الفتاة ُ التي في الخيال ِ

تظلُ فتاة ً ..

بينما يهرم الكلُ شيئا ً ؛ فشيئا ً

إنها السحرُ ؛ قُلْ والجنون ْ.

يخون الجميعُ

ولكنها لا تخونْ.

إنها الهربُ المستمرُإلي قمر ِ العمر ِ

هذا الهروبُ الذي لا يعرف الخوفَ

من أن تكونَ ؛ وألاّ تكونْ.

- قد يقالُ : ظلالٌ من الظنّ ِ ؛ والوهم ِ؟

- لا بأسَ ..ماذا سيبقي لنا

غيرُ هذا الحنين الحنونْ؟!!

- إذن .. ليس أجملُ منكَ

سوي أن تَخُشّ َ إليكَ!!

- وهذا جنونٌ أليفٌ

فلا تخش منه علي الآخرينْ.

..............................................

سألقي عن القلب ِ قولا ً خفيفا ً

لأن الحديثَ عن الحُبّ ِ أكبر من أن يقالَ

إذا كان بين يديَ كتابٌ عن الحرب ِ

ينبئُ : أن الذي فوق رأسي

سماءٌ مرصّعة ٌ بالغيوم ِ - الهموم ِ -

وأني هنا نقطة ٌ من دماء ِ البراءة ِ

منذورة ٌ للتحفظ ِ ؛ أو للغياب ِْ.

أنا هامشٌ في شباب ِ العذابْ.

كلما عنَّ للشعر فصلٌ بتلك المواسم ِ

أو عنّ َ للنثر بين دروب ِ التخبط

في القول ِ بابْ.

أقولُ ؛ وكم يبد أن الذي لا يقول ُ

هو العارفُ الفردُ:

آه ٍ من الصمت ِ

لغمٌ يخبئه العارفون ..

وقنبلة ٌ تتبرجُ..

لا أخوفَ اللهُ منه بكل حواشي الخطاب ِ

الذي يستجابُ ..

ولا يستجابْ.

هو الطفلُ في اليم ِ

يرضعُ من زرقة ِ البحر ِ شمسا ً

ومحضَ سماء ٍ ..

ويا طالما سيحب الأميرة َ

حتي يحط الشراعُ به

فوق شط ٍ عدو ٍ لنا

وعدو ٍ له ..

فالأميرة ُ ندّاهة ٌ ..

وحلمٌ .. إذا ما بدا في التحقق ِ

مات علي يد مَنْ حققوه ..

الأميرة ُ وهمٌ يجئ من البحر ِ

يختال حينا ً

ويرفلُ في الكذب ِ ..

ثم يغيب عن الوعي

أو ينتحرْ.

الأميرة ُ ؛ بوابة ٌ للجنون ِ الجميل ِ

ومحرقة ٌ للمشاعر ِ

محضُ فضاء ٍ من البهجة ِ المستعارة ِ

ها أشطح الآن بالقول ِ.. عفوا ً

فقد جرجرتني البلاغة ُ للوصف ِ

والصمتُ ؛ أعرفُ أبلغ ُ قيلا

ولا أنتوي اليومَ أن ألقي عن القلب ِ

قولاً ثقيلا .

_____________________________