المشهداني.. الأفضل لبرلمان بين
جد وهزل!
منذ توليه رئاسة الجمعية الوطنية العراقية (أبريل 2006) وطبيب الباطنية والطفولة المشهداني محل خلاف، بسبب هُزيلة يطلقها، أو تصريح (مقاوم) بدولة مجاورة، يتراجع عنه بعد العودة إلى بلاده. كان مع المقاومة وتحول إلى الحكومة. من داعم للمتطرفين إلى أحد طباخي المصالحة. يسعى إلى التفاهم مع الأمريكان ببغداد إلى التحريض ضدهم بدمشق وطهران، وأخيراً حملته التقلبات من عداوة الانتخاب إلى مشيخة البرلمان. هذا هو محمود بن داوود المشهداني، المتحدر من حي مشاهدة الكاظمية، لا يستقر على حال، شأنه شأن المرحلة بتلافيفها. بل إنه النموذج الأمثل لما يدور بالعراق، سياسة وما هي بسياسة، ديمقراطية وما هي بديمقراطية، مرحلة برلمانها منتخب وما هو بمنتخب! فالعراقيون انتخبوا كياناتٍ بفتاوى لا شخوصاً وبرامجَ.
ومن اللافت للنظر، أن أبرز الفقهاء السياسيين والمدعين بالمهدوية هم على شاكلة المشهداني: أطباء ومهندسين. وهنا يصعب التناسب بين الطب والسلفية مثلما هي لدى صاحبنا، وفهم التناسب بين الهندسة المدنية وولاية الفقيه أو المرجعية الرشيدة، مثلما هي لدى المهندس آية الله محمد اليعقوبي، وبهذه الخلفية دعا الأخير إلى تأسيس جمعية المهندسين الإسلاميين. كذلك يحار المَرْءُ في فهم الصلة ما بين الهندسة المدنية ومدعي سفارة المهدي المنتظر، مثل المهندس foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? الحسن، المُلقب باليماني وبركن الإمامة، أو ما بينها وبين نشاط المهندس محمود الصرخي، الذي تقدم بأنه الأحق بالمرجعية، وكتب أكثر من ثلاثين بحثاً في شأن ظهور المهدي.
وقبل هؤلاء كان مهندس الالكترونيات سبيط النيلي (من أهل الحلة) مفكراً مهدوياً بكتابه «الظهور المهدوي»، ومن الاختصاصات التي كانت تُحضر لمرحلة ظهور المهدي مهندس، وطالب طب متقدم، من جماعة «جند الإمام» الخارجة على حزب الدعوة مبكراً. وعلى هذا المنوال يُقاس مأزق العراق السياسي والعلمي! أما ما بين الطبيب موفق الربيعي واستشارة الأمن القومي، فتتضح من اهتزاز الأمن بكل مفاصله مع تأبيد المستشار مستشاراً! ولا يفوتنا أن أول رئيس وزراء بعد مجلس الحكم كان الطبيب اياد علاوي، ومن بعده الطبيب إبراهيم الأشيقر الجعفري.
ويا سبحان الله، مع كثرة الأطباء، والمهندسين الفقهاء في وجاهة السلطة وقيادة الأحزاب، والمبشرين بدولة المهدي، التي تتصف أحوالها بما يستلذ بها العطشى والمفزوعون في هجيرة صيف بغداد، غدت الأوبئة في تزايد وتعاظم، وأخذت العمارة بالخراب، ومؤكداً أن من المسؤولين، الأطباء والمهندسين، لا يقطعون أمراً إلا بعد استخارة. ومعلوماً، لا شغل للطب ولا الهندسة، ولا المكافحة مع الموت اليومي باستخارة!
محمود المشهداني واحد من هؤلاء، إلا أنه أقل نفيراً في السياسة والأحزاب، وربما أكثرهم مواجهة للخطر في ما فات من الأيام. سُجن وحكم بالإعدام. وظل في السجن حتى إطلاق سراح آخر وجبة من السجناء. وما زالت التهم توجه إلى المئة والعشرين سجيناً، وقيل أقل وقيل أكثر، بفرهود بغداد، وكأن الشر كان مقيداً كله! ويعترف المشهداني أن الفضل في تلك الكارثة يعود إلى مشورته.
قال: «عندما كنت في السجن، التقيت بمقدم في جهاز المخابرات، مسؤول عن التحقيق. قال لي: إن العراق مقبل على كارثة! ماذا نفعل؟ فقلت له: أفرجوا عن كل النزلاء الـ 60 ألفاً في سجن أبو غريب، حتى لا يستغلهم الأمريكيون عندما يحتلون السجن. لأن بإمكانهم أن يعطوا كل واحد منهم رشاشاً، ويتمكنوا بذلك من احتلال بغداد» (مقابلة مع مجلة المشاهد السياسي). إذا صدقت الرواية، فالمشهداني أراد بالمشورة عتق نفسه أولاً، ولم يحسب أن هؤلاء سيكونون وابلاً على نظام سيترأس سلطته التشريعية! فهم لا يميزون بين وطنية واحتلال، وبينهم من المتدربين على قطع الرؤوس، وسرعان ما اعتمروا عمائم وأطالوا لحىً، ومنهم الآن أعيان وباشوات في جماعات الموت وجيوشه، ومتنفذون في الدوائر الحكومية. على أية حال، في لحظات السجن وشبح المقصلة، والجيوش غازية من غرب الأرض، لا يتحمل صاحبنا وزر مشورته تلك.
يبقى نموذج المشهداني، هو الأنسب لمزاج المرحلة، التي فيها ما فيها من اللامعقول، فبرلمان مثل برلمانها يحوى الأضداد: المرأة المنقبة، التي تقف مع تشريع قيودها ضد قانون الأحوال الشخصية رغبةً من ذكور حزبها لا منها، إلى الثائرة من أجله بما يتناسب مع دورها في المجتمع! ومن المفكر والحقوقي إلى الجاهل بكل فن. يحتاج مثل هذا الخليط من الأمزجة والمستويات إلى صاحب دعابة يرجح هزله على جده عند تشابك اللحى وتصادم العمائم! قال المشهداني مواجهاً أوج أزمته: «قلوب النواب معي وأيديهم ضدي»! بما استعاره من قول الشاعر الفرزدق (ت 110هـ) وهو يخبر الإمام الحسين (قُتل 61هـ) بحال بالكوفة وأهلها: «قلوب الناس معك وسيوفُهم مع بني أُميّة». وقيل هي للَبطَة ابن الشاعر (الطبري، تاريخ الأمم والملوك)، وقيل لرجلين من بني أسد (الأصفهاني، مقاتل الطالبيين). عموماً، ظل صاحبنا وحيداً، انقلب عليه حتى نواب من التوافق السُنَّية، من رفاقه السابقين في جماعة الدعوة والإرشاد!