لعلكم تعرفون الحديث الذي يرويه مالك في موطئه وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مرة إلى البقيع يسلم على أهل البقيع ومعه ثلة من أصحابه، فلما سلَّم على أهل البقيع قال: ((وددت لو أني رأيت إخواني)) قال له أحدهم: ألسنا إخوانك يا رسول الله! قال: ((بل أنتم أصحابي، وإخواني أولئك الذين لم يلحقوا بعد)).
اللهم إنا نسألك بمعاقد العز من عرشك أن تجعلنا من إخوان رسول الله الذين تشوّق إليهم ولم يرهم، ((بل أنتم إخواني وأصحابي أولئك الذين لم يلحقوا بعد، وسأكون لهم فرطاً على الحوض)) سأستقبلهم على الحوض. قال له قائل: أَوَ تَعرفُهم يارسول الله؟ قال: ((أرأيتم لو أن رجلاً له خيول غرٌّ محجلة – ذات أسورة بيضاء على قوائمها وذات لطعة بيضاء على جبينها – في خيول دُهم بُهم – أي سود – أفكان يعرفهم؟)) قالوا: نعم. قال: ((فأنا أعرفهم غراً محجلين من آثار الوضوء)) لم يأت محل الشاهد بعد من هذا الحديث، قال بعد ذلك: ((ألا ليزادَنَّ رجال عن حوضي - أي ليطردن رجال عن حوضي - كما يزاد البعير الضال. فأقول: ألا هلم، ألا هلم - فيقال: إنك لاتدري كم بدّلوا من بعدك، فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً)).
متى يتزلزل فؤاد الإنسان خوفاً من أن يكون من المبدِّلين؟ عندما يكون فؤاد هذا الإنسان مهتاجاً بمحبة الله عز وجل، عندما يكون هذا الفؤاد فياضاً بتعظيم الله سبحانه وتعالى، في هذه الحالة وأنا أسمع كلام رسول الله هذا، كيف يمكن أن يتحرك لساني بفتاوى كيفية تسوّق حسب الطلب أيها الإخوة؟ كيف؟ دواء واحد إن غاب لا والله لن تحل مشكلاتنا أجمع. مهما طرقنا الأبواب، ومهما تحايلنا لحلها، ومهما سلكنا السبل. ما هو هذا الدواء؟ هذا الدواء هو أن نوجّه أفئدتنا بالحب إلى قيوم السماوات والأرض، الدواء هو أن تسري الروح في جسد الإسلام، جسد الإسلام اليقين العقلي هذا هو الجسد، وحب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو روح هذا الجسد، فإذا لم يتحقق هذا الحب مشكلات فلسطين لن تُحَل، لأن الوحدة لن تتحقق، والتضحية في سبيل الإسلام عقيدة وأحكاماً وشرعة ومنهاجاً لن تتحقق، لأن الحب هو السبيل إلى ذلك كله، ولعلكم تقولون: ومن أين نأتي بهذا الحب؟ سؤال من أغرب الأسئلة! عجبت لمن عرف الله ثم يقول: كيف أحب الله؟! عجبت لمن عرف أن حياته من الله، ورغد عيشه من الله، عافيته من الله، رقاده من الله، يقظته من الله، طعامه من الله، شرابه من الله، الذي يجعله يزدرد اللقمة هو الله، والذي يجعل هذا الطعام يتمثل عافية في جسده وكيانه هو الله، يعلم هذا كله ثم يقول: كيف السبيل إلى أن أحب الله؟! ويحك أوحش أنت؟! ((جبلت النفوس على حب من أحسن إليها)). من هو المحسن؟ كل الدنيا تذوب أمام هذا السؤال، ويتجلى محسن واحد: هو الله عز وجل، الذي يعلم هذه الحقيقة يعشق الله، الذي يعلم هذه الحقيقة لايرى في الكون إلا مكوِّنه ألا وهو الله سبحانه وتعالى، ياعجباً! كيف نغيب عن لذة هذا الحب؟! ياعجباً! كيف ابتعدنا عن شُهْد هذا الحب؟! ويسأل السائل بعد هذا قائلاً: كيف السبيل إلى أن أحب الله؟!
اللهم إنا نلتجأ إليك، التجاء العبد الضارع الذليل، اللائذ ببابك الجليل، أن تملأ أفئدة عبادك المسلمين بالحب لك، وأن تدخل ترياق حلِّ مشكلاتهم بإصلاح أفئدتهم، وأن توجه قلوبهم هذه إليك يا أكرم الأكرمين، وأن تنظفها وتُخلِيَها من محبة الأغيار.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه يغفر لكم.



رد مع اقتباس