من مشكلاتنا التي نعاني منها: هذه التفرق، هذا التدابر الذي هيمن على العالم العربي والإسلامي، وصبغه بصبغة الذل والمهانة، حكام المسلمين هم ثولة التدابر، هم ثولة التخالف والتشرذم، مشكلة ثانية من المشكلات‏.‏

من مشكلاتنا: أننا في كثير من الأحيان جعلنا من مبادئ الإسلام، وأنشطة الإسلام، وأحكام الإسلام مطايا ذليلة لمصالحنا، جعلنا من قيم الإسلام ومبادئه أدوات ووسائل نستخدمها من أجل مصالحنا الدنيوية المختلفة، مشكلة ثالثة، أصبح الدين خادماً للدنيا‏.‏

هذه طائفة من مشكلاتنا الكبيرة التي يعاني العالم العربي والإسلامي منها، من أين نبعت هذه المشكلات - ونحن مسلمون -؟ نبعت هذه المشكلات من أن إسلامنا غدا جسداً بدون روح، إسلامنا اليوم غدا فكراً يتألق في العقل، غدا فلسفة يتحرك بها اللسان، غدا كلمات تكتب وخطباً تلقى، أما الحب فغائب، وقد قلت لكم: إن الحب هو روح الإسلام‏.‏

سبب تفاقم هذه المشكلات - أيها الإخوة - أن إسلامنا غدا جسداً بدون روح، وروح الإسلام كما قلت لكم: محبة الله، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا أريد أن أضعكم أمام الأدلة على البدهيات، البدهيات لاتحتاج إلى أدلة، كم وكم يتحدث بيان الله عن الحب، ويتحدث البيان الإلهي عن اعتزاز المولى بعباده الذين يحبهم ويحبونه، انظروا إلى قوله: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 5/54] ما قال: فسوف يأتي الله بقوم حشيت عقولهم بالحقائق الإيمانية، الحقائق الإيمانية جسد لابد منه، لكن ما هي قيمة الجسد إذا انفصلت الروح عنه‏.‏

والرعيل الأول من المسلمين-من أصحاب رسول الله ومن تبعهم- ما تحققت على أيديهم معجزات النصر والوحدة والتوفيق الإلهي لمجرد اليقين العقلي بمبادئ الإسلام، لكنَّ تلك المعجزات تحققت على أيديهم بسبب الحبّ الذي هيمن على قلوبهم، ذلك الحب الذي صغّر الكبير العظيم من أمور الدنيا، وكبّر الصغير الصغير من أمور الغيب والآخرة التي نحن مقبلون عليها، الحب هو الذي قرَّب لهم البعيد، وليَّن لهم الحديد، وجعل الصعب سهلاً، وجعل المستحيل ممكناً، ذلك هو روح الإسلام الذي به انتصر ذلك الرعيل الأول‏.‏

ذلك الحب غاب، غاب اليوم عن أفئدة المسلمين، ولما غاب الحب عن أفئدة المسلمين فاضت في تلك الأفئدة محبة أخرى: محبة الدنيا، محبة المال، محبة الشهوات، محبة الرئاسة، محبة الكبرياء والعصبية، والإسلام بقي محصوراً ومتراجعاً متراجعاً إلى الدماغ فقط، ومن هنا نبعت هذه المشكلات أيها الإخوة‏.‏

نحن في كثير من الأحيان نتحدث عن وحشية هؤلاء الصهاينة الذين غابت مشاعر الإنسانية من بين جوانحهم، ونتحدث عن الجرائم التي يمارسونها، وعن العالم الغربي الذي يصفق لجرائمهم، ونقف عند هذا الحد‏.‏ وأنا أقول: ليست هذه هي المشكلة، العدو عدو، ولاتفاجأ بما ترى من إفرازات عداوته، هذا العدو الحاقد لاتفاجأ بنتائج حقده، شيء طبيعي، ولكن تجاوز هذه الظاهرة إلى الأسباب، ما هي الأسباب التي جعلت هؤلاء الصهاينة الأقزام بالأمس مردة عاتين اليوم؟ نحن، الجريمة، بدأت من عندنا نحن، وظهرت آثارها عندهم‏.‏ الجريمة جريمتنا، ما هي جريمتهم، التفرق، التشرذم، نظر هؤلاء الذين يقطعون الأوصال، ويقتّلون الصغار والبرآء، نظروا إلى حكام العالم العربي فوجدوا أن كلاً منهم مشغول بحظ نفسه، معرض عن الجسور التي ينبغي أن تصل بينه وبين إخوانه، يتصافحون نفاقاً، ويتظاهرون بالتضامن كذباً وزوراً، فإذا تفرقوا عكف كل واحد منهم على خصائصه ومصالحه وقضاياه، فرغت أفئدتهم من حب الواحد، وهيمنت محبة الفاني على قلوبهم، ففرقتهم الدنيا ومحبتها، وجعلتهم يتنافسون، بل يتهارجون ويتخاصمون، ونظر أولئك الذين كانوا أقزاماً أذلة بالأمس إلى واقع المسلمين وحكامهم اليوم فسلكوا هذه المسالك، إذ لم يجدوا ما يخيفهم، ولم يجدوا ما يوقفهم عند حدودهم، من أين جاءت هذه المشكلة، جاءت هذه المشكلة من غياب روح الإسلام، روح الإسلام ما هي أيها الإخوة؟ حب الله عز وجل‏.‏