يا ورد من يشتريك؟!



يحكى أن (خسرو) ملك بلاد فارس، وشاباً يدعى (فرهاد) أحبا معاً أميرة جميلة اسمها (شيرين)، ولكي يزيل الملك غريمه من طريقه، أمره بنحت قناة في الحجر الصلد، وبينما كان فرهاد منكباً على عمله، تزوج الملك من شيرين، وعندما علم فرهاد بالخبر قتل نفسه، وتحولت كل قطرة من دمه تساقطت على الأرض إلى زهرة (سوسن).

مقالي اليوم سوف يكون كله عن الزهور والورود، وذلك ليس تجلياً مني، أو ارتماء في أحضان (الرومانسية) مما قد يتوقع البعض، ولكنه معارضة واحتجاج وكره للدماء التي تجرى كل يوم كالأنهار في الشوارع العربية، ومنها العراق الذي يسبح في بحر من الدم ولم تتحول ولا قطرة دم واحدة منها إلى زهرة، بل إنها كلها تحولت إلى أشواك رعب وحقد ملأت الصدور، وكادت تسد أفق المستقبل أمام كل المواليد والأطفال.

بالنسبة لي يكاد من المستحيل أن أكون في أي بلد، وأمر بجانب حانوت يبيع الزهور والنباتات ولا أدخله أو أتوقف أمامه قليلا، وفي أغلب الأحيان لا اشتري منه شيئاً، وإنما فقط (اشمشم) كثيرا بقدر ما أستطيع، خصوصاً ان الشمشمة (ببلاش)، وفي بعض المرات يصادف أن تكون هناك حسناء تبيع أو حسناء تشتري فأجدها فرصة للمشاهدة والتمعن والمقارنة بين جمال الوردة وجمال المرأة، خصوصاً أن المشاهدة كذلك (ببلاش)، وبعد أن أشبع من الشمشمة والمشاهدة انطلق سعيداً لا ألوي على شيء.

في هولندا أم الزهور والورود والنباتات، وحاضنة الجمال، هناك (المليارات) من هذه الأصناف تزرع وتستورد ثم تصدر إلى (مئات) الدول في قارات العالم الست، ويبلغ دخلها من تلك التجارة الرقيقة والجميلة والعابقة أكثر من دخل بعض دول الخليج من البترول.

وحدائق (كيوكنهوف) التي لا تزيد مساحتها عن (62 فداناً) تعرض نماذج إنتاجها لمدة ثمانية أسابيع في السنة، ويتقاطر على زيارة ذلك المعرض ملايين الأشخاص، ويقول احد المسؤولين عن هذا المعرض: إن الزائرين نادراً ما يلمسون أو يقطفون الزهور، وخلال عدة سنوات لم يُعتدَ على أو تقتطف سوى (12 زهرة)!

ولا بد ان اعترف أنني أهوى بين الحين والآخر الطرب والأغاني القديمة، فأغنية (ليه يا بنفسج) مثلا تكاد تبكيني ولا ادري ما هو السبب ـ مع أنني (لست بحبيّب) ـ، ولا أنسى أغنية عبد الوهاب (يا ورد من يشتريك)، وأغنية أسمهان (الزهور).

ومن صغري، ومن أول ما تفتحت أذني على الغناء سمعت حضيري بوعزيز يغني (عميّ يا بياع الورد)، ومن حينها تمنيت أن أبيع الورد لكي يناديني الناس (بعمّي)، وفعلا أول عمل قمت به أن تشاركت مع احد الأصدقاء وفتحنا دكاناً صغيراً لبيع الزهور والورود، وكان يجاورنا دكان رجل عقاري، ولم ننجح في تجارتنا، وكلما حاولنا إغلاق الدكان كان الرجل العقاري يحثنا على الصمود والاستمرار وعدم اليأس، وأخيراً اكتشفنا انه كان يأخذ يومياً ما يموت من الزهور والورود من تجارتنا الكاسدة ليعلف بها بعض الماعز التي يربيها في حوش منزله. أخيراً بعنا الدكان لرجل حوله إلى مكان لبيع الشاورما، ونجحت تجارته نجاحاً منقطع النظير، وكنت من ضمن زبائنه.