مراجعة في التسمية
انهمك العراقيون منذ سقوط نظام صدام حسين بإعادة تسمية المسميات، وفي أول ذلك أسماء الشوارع والساحات العامة. وهذه مسألة تقتضي بعض التأني والتفكير. من المشاكل اللغوية التي نعانيها في بلادنا العربية مشكلة التسمية. فالمفروض ان ينطبق الاسم على المسمى اذا كان له أي معنى. غير أننا كثيرا ما نتسرع في الأمر على عادتنا. يولد لنا ولد فنسميه باسم جميل أو صادق أو فهيم، والمولود لم يبلغ بعد بضعة أيام من عمره. من يضمن انه سيكون جميلا أو صادقا، أو فاهما؟ هذه مشكلة تخصنا نحن. فعند الشعوب الغربية، الأسماء على الأكثر لا تعني شيئا. جورج وبيتر وجون ونحوها من الأسماء لا تفيد بأي شيء. يقال مثل ذلك عن انتصاراتهم التاريخية. يعتز الانجليز مثلا بمعركة واترلو، والفرنسيون بمعركة اوسترلتز. وكلا الاسمين لا يعنيان شيئا.
هذه هي المشكلة التي تواجهنا. مثلا سمى نظام صدام حسين حرب الخليج «أم المعارك» ثم راح الناس يسمونها بأم المهالك بعد ان خبروا نتائجها. يمكن ان يقال مثل ذلك عن قادسية صدام. وهو ما قالوه للسيد عبود بن فالح الذي كان أبا لثلاثة أولاد. جاءوه بجثة الأول وقالوا له: «آسفين يا سيد عبود ابنك مصطفى استشهد في قادسية صدام وهذي جنازته». سلم أمره لله وصلى على روح ابنه. مرت اشهر قليلة وجاءوه بجنازة ابنه الثاني «متأسفين يا سيد عبود ابنك اسماعيل استشهد في قادسية صدام وهذي جنازته، الله يرحمه». سلم أمره لله وترحم على روح ابنه وتجبر بالواحد القهار. مرت اشهر قليلة وجاءوه بجنازة ابنه الثالث «متأسفين سيد عبود، ابنك محمود استشهد بقادسية صدام». ضرب الرجل يديه، يدا على يد، وقال: «يا عمي هذي هي قادسية صدام لو قادسية عبود بن فالح؟!».
من الضروري تصحيح سلوكنا بحيث نتريث في التسمية حتى تظهر الحقائق والنتائج. نسمي الولد بصادق عندما يظهر صدقه، وبجمال عندما تفتتن البنات بحسنه، ونسمي البنت بنضال عندما تتزوج بأحد الشعراء وتذوق نضال الحياة ومصائبها. وهذا يعني ـ كما اعتقد ـ أن نترك حقل الاسم في سجل الولادات فارغا حتى يموت الشخص فنكتب اسمه عندئذ بعد ان نتحقق من شخصيته.
يقال مثل ذلك عن اسماء الشوارع والجسور والساحات العامة. ينبغي التريث في تسميتها. مثلا ساحة التحرير في بغداد لم تشتهر بشيء أكثر مما اشتهرت بنصب المشانق فيها. واشتهر شارع الرشيد بسحل الضحايا. وشارع الكفاح بالفوضى والخراب، وكل ذلك بسبب التسرع. فلو انتظروا قليلا لأعطوا الأسماء لمسمياتها. ساحة التحرير تسمى بساحة المشانق، وشارع الرشيد بشارع السفيه، وشارع الكفاح بشارع الخراب.
وعن قريب ربما نضيف اليها أسماء مثل شارع التسليب، وشارع الخطف وساحة التفجيرات. ومعامل التعليب لمعامل التفخيخ وورشات تصليح السيارات لورشة تفخيخ السيارات وهكذا