الجمعة السادسة من جمعات الإصلاح الإلهي (11-5)
بسم الله الغفور الرحيم الذي يريد التوبة لعباده
سبحان الله الذي أمر بالإستغفار وتكفل بالمغفرة وأمر بالإسترحام وضمن الرحمة ، والذي لم يجعل حجاباً بينه وبين عبده ، ولم يمنعه كثرة الذنوب من العفو ، ولم يُعاجل بالعقوبة ، ولم يسارع بالنقمة ، ولم يُعيّر عبده عند الرجوع والتوبة ، ولم يفضحه عند الآثام ، ولم يشدد عليه الشروط للعفو والمغفرة ، ولم يناقشه فيما سبق ، ولم يُيئسه من الغفران ، وجعل ترك الذنب حسنة ، وضاعف الحسنات ، وفتح فرص الإنتباه ، ورمى له بالعتاب ، وناجاه بالموعظة ، وكاشفه بالعبر ، ودعاه للهداية ، وأعانه إذا ما نوى ، ووفقه إذا ما خطى ..
والحمد لله ربنا الذي وسعت رحمته كل شيء وهو الرحمن الرحيم ، والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين محمد المصطفى الأمين وعلى أهل البيت الهداة الطاهرين وعلى كل الصالحين من الأولين والآخرين ..
إن المنهج المطلوب من كل البشرية اليوم كما كان مطلوباً في كل حين هو منهج الإستغفار والتوبة والعودة الى ما يرضي الله سبحانه ، فالمطلوب من كل إنسان في العالم أن يعترف بذنوبه مع الله سبحانه ويترك هذه الذنوب ، ويبدأ بمسيرة الإستغفار ويتوقع المغفرة من الله ، ويبدأ بمسيرة التوبة ويتوقع العفو من الله ، ويخطو بالخطوات الصغيرة كي يوفقه الله الى خطوات أكبر .. وسيقول الكثرة من الناس نحن ماذا فعلنا مع الله من ذنوب ، فنحن نعيش حياة مسالمة ولم نؤذي أحداً ونؤدي فرائض مذهبنا كما ألفينا عليها آباءنا ، وهم بذلك يجهلون أن دنيويتهم ذنب كبير مع الله ، ويجهلون أن غفلتهم عن نعم الله وعمله وبركاته وهديه ومطاليبه وتدخله وقدرته ذنب كبير معه سبحانه ، ويجهلون أن استغناءهم عن بركات الله ومدده وفرجه وحله لشؤونهم وأزماتهم هو ذنب كبير مع الله ، ويجهلون أن اغترارهم بعقولهم وقدراتهم وأنفسهم ذنب مع الله ، ويجهلون أن تصديقهم بالمزيفين المتاجرين بالدين وإكتفائهم بما بأيديهم وإعراضهم عن أولياء الله هو ذنب كبير ، وهم أغلبهم يجهلون أن كسلهم في التقرب لله وفي طلب المصالح الأخروية هو ذنب كبير ، ثم هم بعد ذلك لا يدركون أن أشد الذنوب ضرراً هو رضاهم عن أنفسهم وعدم شعورهم بالتقصير مع الله وعدم إعترافهم بذنوبهم ، هذا بالإضافة الى أن كثير من الذنوب السياسية والإجتماعية هم مشاركين بها على نحو ما وبطريقة ما حتى لو كانوا جالسين في بيوتهم ، فالرضا عن التعصب ذنب ، والرضا عن الظلم ذنب ، والرضا عن إستحلال أموال الناس ذنب ، والرضا عن المتكبرين ذنب ، والرضا عن أي باطل هو ذنب كبير ..
وإن كان الواقع مليء بالأطروحات الدينية فأغلب هذه الأطروحات إلا ما رحم ربي لا تعرض منهج توبة حقيقي ، لأنها لا تدعو الإنسان الى الآخرة بل تدعوه الى الدنيا ، ولا تقدم للإنسان منهج تقرب حقيقي بل تقدم له شكليات دينية لا أكثر ، ولا تطهر روح الإنسان ولا ترعى قلبه وإنما تزجه في هموم السياسة المتدنية ، فأغلب هذه المناهج التي تملأ العالم تبعد الناس عن الواجبات الحقيقية مع الله وعن طريق الله ، ولذلك فهي لا تساعد الناس على التوبة من الذنوب الظاهرية والذنوب المعنوية الوجدانية ..
والتوبة فيها الربح الحقيقي الأخروي وحتى الربح في الحياة الدنيا ، لأنها تعني ترك أعمال باطلة وظالمة تؤذي الإنسان وتضر المجتمع ، وتعني ترك النوايا السيئة التي تـزج الإنسان في ضنك العيش والهم والغم ، وتعني تغيير الأهداف في الحياة ، وتعني الإلتفات الى عطايا الله وكرمه ، وتعني إصلاح الفكر بما يُلائم ذكر الله وعظمته وسُنته ومنهجه وحكمته ، وكل هذا يؤدي الى حصول الإنسان والمجتمع على المصالح الأخروية ، كما يؤدي الى إنفتاح بركات كثيرة وزوال مضار كبيرة عن الحياة ..
إذاً لماذا يبخل الناس على أنفسهم بالتوبة وهم في أمس الحاجة لها ، وهي نافعة لهم مع الله سبحانه ونافعة لهم في حياتهم الدنيوية أيضاً ، وبها يحصلون على رضا الله وبركاته وحبه وقربه وكرمه ورحمته ونعمه الكبرى وعطاياه الجزيلة وهباته الوافرة ، وبها يتخلصون من الفتن والحروب والمظالم والتعصب والتشدد والعنف الظالم والجشع والتنازعات الدنيوية والصراعات الآثمة ..
وما أسهل وما أجمل أن يتوب الإنسان الى ربه ، وليس عليه أكثر من النية الصادقة وترك بعض الأعمال والنوايا التي يُدرك مع نفسه بطلانها ، ثم يحصل بالتأكيد على التوفيق الإلهي ، فكثير من الذنوب يعرفها الناس بوعيهم البسيط ، وكل ما عليهم النية في ترك هذه الذنوب والبدء بالخطوة الأولى ، وستكون الخطوة الثانية هي الحصول على التوفيق الإلهي ، والحصول على الحول والقوة ، والحصول من الله على الإرادة للسير في طريق التوبة ، فكل ما على الناس في أي مكان كانوا أن يبدأوا مسيرة التوبة ، ويتركوا الرضا عن النفس ، ويتوبوا عن الأعمال غير المرضية لله ، ويتوبوا عن النوايا التي لا تليق بالعابد لله ، ويتوبوا عن كل ضعف في العلاقة مع الله وعن كل حال معنوي يُسيء الى الله في القلب والوجدان ، ويتوبوا عن كل حال مادي يُسيء الى الناس ودين الله ..
وكل ما على أهل الأرض هو أن يستبشروا برحمة الله ومغفرته وعفوه ، وأن يستعدوا بالتوبة الصغيرة التي يبدأون بها لينتفعوا من باب التوبة الكبيرة التي ستـُفتح لهم مع مجيء المنقذ الإلهي الذي سيطرق أبوابهم بالإصلاح الحقيقي ويُصلح نوايا الجميع وسلوكهم وأفكارهم وعواطفهم ويُدخلهم في ساحة رحمة الله .
والحمد لله الذي يقبل التائبين ويُعين المستغفرين