اثر الايماءات وفن الصمت البليغ
. لقد ولد محمد رسول الله (صلى الله عليه و سلم) في في قمة وهج اللغه العربيه و على الرغم من عدم تعلمه القراءة و الكتابة إلا أنه كان يمتلك من المهارات اللغوية ما ليس لغيره. و قد مكنته هذه المهارات من نقل المفاهيم الصعبة لمستويات مختلفة من الناس و بأقل عدد من الكلمات. إن أقواله الحكيمة التي يطلق عليها "الحديث" و تعني بالعربية حرفيا (الكلام) قد جمعت في مجلدات و يجري تدريسها كتوجيه للناس في كل زمان و في كافة أنحاء العالم. و مع ذلك حين نتعلم الحديث اليوم فإن الاهتمام الأكبر ينصب على الكلمات الحرفية للرسول محمد صلى الله عليه و سلم في حين نغفل عن حقيقة مهمه متعلقة باستخدام مهارات إتصال غير لغوية من شأنها تعزيز معاني الكلمات. لقد كانت لديه قدرة استثنائية على جذب عدد كبير من حواسنا و ليس فقط الأذن و هذا ينسحب علينا إلى الآن و نحن نسمع أحاديثه بعد مئات السنين.
رسم صور عقلية بالكلمات:
عندما نقرأ الحديث سوف نلاحظ أن الكلمات ترسم صورا حية في عقولنا صورا مليئه بالمناظر و الأصوات و المشاعرو في ذات الوقت فإن الرواه كانوا يستخدون لغة وصفية ليعطونا صورة ثلاثية الأبعاد لكل حدث. و بهذه الطريقة فإننا نتمكن من رؤية البيئة المحيطة بالحدث في مخيلتنا بالإضافة إالى وصف ما فعل النبي صلى الله عليه و سلم بباقي أجزاء جسده. فقد استخدم الرواه مهاراتهم اللغوية الخاصة ليشركونا معهم في ما يرون و يسمعون و يشعرون و يتخيلون و يفهمون و هي ذات الطرق التي تعلموا و تغيروا بها فعليا. ثمة درس ثمين بالنسبة لنا هنا و هوأنه حينما نتلقى العلم من أستاذ متفرد له مهارات اتصال استثنائية فإنه يجب على جمهوره أيضا التدرب على استخدام كافة حواسهم لاستقبال المعاني و استخلاص الدروس. و لهذا السبب فقد تغير سلوكهم في غضون بضع سنوات مما مكنهم من بناء حضارة رائعة Perhaps we too need to do the same today, It's not enough to mechanically memorize and recite his sayings. وربما نحن أيضا بحاجة إلى أن نفعل الشيء نفسه اليوم فليس كاف أن نحفظ و نردد أحاديثه و لكن الأهم هو الانفتاح على التغيير الإيجابي الذي تحدثه كلمات الرسول صلى الله عليه و سلم في القلوب و العقول و إتباع هذا كله بالتطبيق العملي.
الإشارات غير اللفظية تكشف المضامين:
إن الاتصال هو عبارة عن تبليغ رسالة الى الجمهور بالقدر الأقصى من الدقة و الحد الأدنى من الالتباس مع الأخذ في الاعتبار التأويل الصحيح لردة أفعالهم و التي تعكس مدى استيعابهم للمعنى. فهذه هي الأساسيات الضرورية لتبادل الأفكار و المشاعر مع الآخرين بشكل فعال.
تنص الأبحاث الحديثة على أن من يستطيعون التواصل بنجاح يمتلكون القدرة على جذب كافة الحواس لدى جمهورهمو ذلك عن طريق اسخدام نوعين من المهارات في مقياس دقيق.
النوع الأول هو المهارات اللفظية أو اللغة المنطوقة المستخدمة في الكتابة و الكلام. أما النوع الثاني فهو المهارات غير اللفظية و هي التي تعبر عن السياق غير المنطوق و الذي يعطي المعنى الحقيقي و التي تتضمن تعبيرات الوجه و لغة الجسم و الصفات الصوتية كالارتفاع و الحدة و السرعة.
و من المفارقات،أن النجاح في توصيل الرسالة يعتمد بشكل أكبر على المهارات غير اللفظية و التي تنقل 70% على الأقل من المعنى في حين أن المهارات اللفظية لا تنقل إلا 30% من خلال الكلمات. و علاوة على ذلك عندما يحدث تعارض بين الرسالة اللفظية و غير اللفظية فإن العقل الإنساني يميل لتصديق الإشارات غير اللفظية. فعلى سبيل المثال إذا قال لك أحد "كم هو جميل أن أراك" و لكنه يقولها بتهكم فنجد أنفسنا دون وعي نستقبل التهكم و ليس التحية اللطيفة الظاهرة.
فن الصمت البليغ:
هناك العديد من الدورات التدريبية التي تعلمنا كيفية تأويل أيماءات الناس اللاشعورية و في ذات الوقت أرسال إشارات أيجابية بوعي للآخرين لتعزيز التفاهم المتبادل و تشجيع الاتصال الفعال. و كونه متصل متميز فقد أولى النبي محمد صلى الله عليه و سلم اهتماما كبيرا لتوجيه رسائل غير لفظية واضحة و ثابتة في كافة الأوقات و حتى حال صمته التام. فقد علم أن جل سنته سيتم نقلها لفظيا لذا فقد كان مقتضبا وواضحا في حديثه و كان يكرر الأفكار الهامه ثلاثا. و لكن على التوازي معذلك فقد كان يستخدم نبرة صوتية قوية متناسقة مع كلماته لتعزيز حفظ الناس لما قاله و إيصاله للآخرين. كان وضعه الجسماني دائما مستقيما و متنبها ليعكس حالة من الثقة و القوة و قد كانت مشيته نشطة تعكس العزم إلا أن وجهه كان دائم البشاشه و السلام يعلوه ابتسامه تدعوا إلى الاتصال و الثقة. فقد كان يولي الناس كل اهتمامه و ذلك بتوجهه لهم بجسده بالكلية و ليس فقط برأسه مما كان يشعرهم بالأهمية و بأنهم محل تقدير. و حينما كان يغضب كان بكل بساطه يحيل نظره بعيدا عن الشخص أو الحدث ليبين عدم موافقته عليه دون النطق ببنت شفه. و في الاجتماعات كان يجلس في أي مكان دون تعمد الجلوس في المنتصف ليعبر عن المساواه و كان دائما ما يشجع على الاتصال المباشر
لم يطل النظر أبدا في وجه أي أحد و كان يستخدم كف يده في الإشاره إلى الناس بدلا من إصبعه حتى يتجنب إحراج الناس. و على الرغم من ذلك فإننا نجد القرآن يعدل بلطف طرق إتصاله غير اللفظية في موقف معين من المواقف و يعلمنا رسالة غالية.
حتى الإيماءات يكون لها أثر:
كان الرسول صلى الله عليه و سلم يتحدث إلى مجموعة من زعماء القبائل البارزين في محاولة منه لكسبهم و ذلك حينما أتاه رجل أعمى يسمى عبد الله بن أم مكتوم ليسئله بعض الأسئلة. و في محاولة منه صلى الله عليه و سلم لتركيز انتباهه على حلفائه المحتملين فقد عبس وجه النبي صلى الله عليه و سلم أثناء تركيزهو أشاح ببصره عن عبد الله ووجهه إلى حاضريه الآخرين. لم يتمكن الرجل الأعمى من رؤية عبوس وجه النبي صلى الله عليه و سلم و لا لغة جسده المنزعجة و مع ذلك فقد لام الله سبحانه و تعالى رسوله صلى الله عليه و سلم لتوصيله رساله سلبيه غير لفظية و ذلك في قوله: "عبس و تولى أن جاءه الأعمى" (عبس 1-2).
لا يمكننا إيصال إحساس معين بصدق إلا إذا استخدمنا لغة الجسد بطريقة متناسقة مع كلماتنا. جرب ذلك بنفسك: قف أمام المرآةو حاول ان يكون صوتكمبتهجا و قل "صباح الخير" و لكن قلها بوجه عابس.. لن تستطيع ذلك. إذا لم تكن ترغب في سماع عبوس في نبرات صوتك فما عليك إلا أن تتبسم حتى يبدوا صوتك ودودا. الآن يمكنك أن تتخيل كيف بدا صوت الرسول صلى الله عليه و سلم حال مخاطبته الصحابي الضرير و هو عابس و يشيح بوجهه عنه؟ ما من شك في أن الصحابي قد سمع الإنزعاج في صوت الرسول صلى الله عليه و سلم , مما من شأنه أن يولد إحاسيس سلبيه و يضع عائقا في سبيل الاتصال الفعال مع صديق مخلص. و بالإضافة إلى ذلك فإن مجموعة الزعماء الذينكان الرسول صلى الله عليه و سلم مهتما بهمكانوا متواجدين في ذات المكان و يشاهدون هذا الحدث : فإذا تحدث الرسول صلى الله عليه و سلم بطريقة سلبية مع الرجل الضرير سيكون من شأن ذلك إحداث تأثير سلبي غير مباشر على رسالته لهم مما سيعيق هؤلاء القوم عن تكوين فكرة إيجابية عن الإسلام و نتيجة لذلك ستكون عملية الاتصال برمتها معرضة للفشل. و لما لهذه الواقعة من عمق بصيرة فإن النبي صلى الله عليه و سلم كان دائما ما يبتسم في وجه هذا الرجل الأعمى قائلا: "أهلا بالذي عاتبني فيه ربي" (القرطبي). و فيما بعد فإن زوجة النبي صلى الله عليه و سلم أثناء حديثها معه عن إمرأة أخرى أشارت بيدها هكذا في إشارة إلى أنها كانت قصيرة جدا فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لعكرته" (أبو داود) لقد أطلق على أيماءتها لفظ "كلمة" و حذرها من أنها من شدة إيذائها يمكن أن تعكر صفو البحر.
الأعمال أعلى صوتا من الأقوال:
ما أكثر المرات التي نستخدم فيها تعبيرات الوجه أو الإيماءات علنا بطريقة ساخرة أو مستهزئه غير مدركين تأثيراتها المدمرة على صورتنا و على اتصالنا بالآخرين. هذه القصص تعلمنا أن نهتم و نعي لغة أجسادنا بقدر أهتمامنا ووعينا بلغتنا اللفظية فقبل كل شيء الله سبحانه و تعالى يراقبنا و أيضا فإن الآخرين يقيمونا و حتى أن مجتماعاتنا و حضاراتنا مبنيه على السلوك الجماعي. ففي أي لحظة تخيل أن شخصا ما يقيم طريقة مخاطبتك لزوجتك بمركز التسوق التجاري أو كيفية معاملتك لشخص مسن في القطار أو ما تفعل مع أصدقائك في الشارع.
إذا أردت أن تبدو كشخص لطيف فقم بذلك طيلة الوقت بكل كيانك حتى و أنت تعتقد أن لا أحد يراك , فالابتسامة و الوضعية المنفتحة هي كلمات مفهومة في الشفرة الدولية. فحتى إن كنت لا تتحدث بلغة الآخر فتذكر أن ذلك يفقدك فقط 30% من أدوات إتصالك و أنك ما زلت تمتلك الكثير لتجعلهم يستمعون إلى أفكارك الودية بأعينهم.
لقد بعث النبي محمد صلى الله عليه و سلم إلي أمة من الخطباء البارعون أناس كان اهتمامهم هو الكلمات إلا أنه أضاف بعدا أعمق للكلمات البليغة الا و هو الصمت البليغ حيث الأفعال الحسنة هي التي تقوم بالحديث.