الأفاعي الجوية البيضاء
سلاح فتاك بيد النظام العالمي الجديد
أخبث الأسلحة وأكثرها خطورة على وجه الأرض
ملف خاص نشرته جريدة المستقبل / بغداد / 29/1/2012
كاظم فنجان الحمامي
لا تختلف تفاصيل قصة اختراع (الكيمتريل) كثيرا عن قصة الانقلاب المفاجئ في استعمالات (الديناميت), عندما انتقل من مشاريع الإعمار إلى مشاريع الدمار. فتحول إلى سلاح فتاك بيد القوى الشريرة, وكان لذلك التحول الأثر الكبير على مشاعر العالم السويدي (الفريد نوبل), الذي اخترع الديناميت, فحزن حزنا عميقا, وأوصى بوضع ثروته كلها في بنك سويدي, وطلب صرف الأرباح السنوية على المبدعين في العلوم الإنسانية, وهكذا وضع اللبنة الأولى لجائزة نوبل, بيد أن الاختلاف بين القصتين أن المادة الجديدة (الكيمتريل) تحولت من مادة تحمل الخير للبشرية, وتمنع الاحتباس الحراري, إلى مادة تديم الاحتباس وتهدد الناس, من دون أن تظهر علامات الأسف والندم والشفقة على وجوه العلماء الذين حولوها بأنفسهم إلى سلاح دمار شامل يفوق السلاح النووي تدميرا وإبادة. .
ولادة الكيمتريل
ولد الغاز المريب في أحضان الاتحاد السوفيتي, من أم روسية, وأب صربي يعمل في حقل الهندسة المناخية, هو العالم (نيقولا تيلا), الذي استطاع تحضير خلطة سحرية لمركبات كيماوية, متكونة في معظم الحالات من (آيوديد الفضة), و(بيركلورات البوتاسيوم), ومواد أخرى, ترشها الطائرات في الجو بخطوط مستقيمة متقاطعة, تنثرها فوق السحب الخفيفة المنفوشة, فتتجمع الغيوم الثقيلة كما الجبال الثلجية المهيبة, وتزداد أوزانها, ويتعذر على الهواء حملها, فتنهمر أمطاراً غزيرة على المناطق الجافة, وتنتعش الحقول والغابات, وتستعيد السهول والروابي وشاحها الأخضر المزدان بالبهجة والفرح. .
كان للسوفيت وقتذاك دولة عظيمة, تطل على المحيطين, الهادي والأطلسي. وكانوا يكتبون مختصرات اسمها بالانجليزية هكذا: (USSR), ويكتبونها بالروسية: (CCCP), ثم تفككت تلك الدولة العظيمة, وتبعثرت جمهورياتها الكثيرة المتشابكة, وانهارت مؤسساتها العلمية, فحزم (نيقولا) حقائبه, وركب البحر على ظهر أول سفينة متوجهة إلى نيويورك, حاملا في تلافيف دماغه أسرار الهندسة المناخية, متأبطا وصفاتها السحرية, التي داخت بها أمريكا, وتحسرت على حل شفرتها المستعصية على الفهم, فكان المال الأمريكي هو العفريت الذي ضحك على (نيقولا), وانتزع منه أسرار المعادلات الكيماوية المعقدة, واستطاع أن يستحوذ على تفكيره, ويجعله خادما مطيعا له في تنفيذ مشاريع البنتاغون التوسعية, فتغيرت عناصر المعادلات على يد (نيقولا), وانقلبت نتائجها من ثمار الخير إلى أوكار الشر, حتى صارت من أخبث الأسلحة البيئية وأكثرها فتكا على وجه الأرض. .
خطوط بيضاء في كبد السماء
أغلب الظن أنكم شاهدتم تلك الخطوط البيضاء المتقاطعة فوق سطوح منازلكم, وتشاهدونها يوميا, وربما ظننتم أنها من مخلفات الوقود المحترق في توربينات الطائرات النفاثة, أو أنها من بقايا الهواء المتبخر بحرارة النيران المنبعثة من محركات الطائرات, أو أنها مجرد خطوط تمثل المسارات الجوية للطائرات, تكونت في الجو بعد أن توفرت لها مجموعة من العوامل المناخية, فساعدتها في الظهور بهذه التشكيلة الشريطية المتقاطعة المتداخلة.
هذا صحيح تماما, فليس هنالك ما يميز خطوط الكيمتريل عن مسارات الطائرات من حيث اللون والشكل, وتكاد تكون معظم الفروقات العامة غير واضحة, أو غير معروفة حتى الآن عند عامة الناس, لذا وجب علينا الإشارة إليها, والتحذير منها. .
من المسلم به أن الأشرطة البخارية المتكاثفة كحبيبات ثلجية في أثر الطائرات المحلقة في الجو, تتبدد تدريجيا, وتتلاشى تماما بعد بضعة دقائق, لكنها إن حافظت على مظهرها الثلجي, وظلت مرئية لعدة ساعات, من دون أن تختفي, عندئذ يمكننا القول إنها خارجة عن نطاق بخار الماء, ولا علاقة لها باندفاع المادة المحترقة من عادم الطائرة, وان استمرارها بالظهور يعزا في هذه الحالة إلى انتشار بعض المركبات الكيماوية الخبيثة في الجو. .
(الديب) الذي أكلته الذئاب
شاءت الصدف أن يطلع العالم الكندي (ديب شيلد), على أسرار التحولات الحربية, التي طرأت على مركبات (الكيمتريل), وكيف تحولت من غازات صديق للبيئة لتصبح بين ليلة وضحاها من ألد أعدائها. .
كان (ديب) أول من اكتشف الوثائق السرية, التي تحكي عن قيام أمريكا بإطلاق تلك المركبات الكيماوية على كوريا الشمالية, واكتشف أيضا أنها استعملتها في حربها الاستنزافية ضد العراق وأفغانستان, فضلا عن استعمالها ضد مناطق منتخبة من السعودية وإيران واليمن, فلم يتردد (ديب) من الادلاء بتصريحاته المدوية, التي زلزلت كيان المؤسسة العسكرية الامريكية, وبلغت به الجرأة مبلغا عظيما, عندما أقدم على نشر تفاصيل برنامج (الكيمتريل) على الانترنت, في موقع فضائحي, يقال له (هولمز ليد). .
وفجر (ديب) مفاجأة كبرى عندما قال: أن (الكيمتريل) هو المارد الخفي الذي ارتكب أخطاء فادحة, عندما أخفق في توجيه إعصار (جونو), فانحرف عن مساره ليضرب السواحل العمانية, ويحدث فيها خرابا كارثيا, ثم زحف باتجاه السواحل الإيرانية بعد ان خارت قواه في خليج عمان وبحر العرب. .
وقال (ديب): ان السواحل الإيرانية كانت هي الهدف المقصود, بيد أن الجهة المنفذة وقعت في أخطاء ميدانية جسيمة, تسببت في انحراف مسارات الإعصار نحو سلطنة عمان. .
ولم تمض بضعة سنوات على تصريحات (ديب), حتى وجدوه مقتولا في سيارته بمخالب الذئاب المفترسة, وسجلت الجريمة ضد مجهول. .
الغرب يعترفون والعرب ينكرون
على الرغم من اعتراف المؤسسات الغربية بولادة سلاح (الكيمتريل), وعلى الرغم من قيام الصحف الغربية بنشر آخر التطورات الطارئة على تحضير مركباته مختبريا في المصانع الحربية, وعلى الرغم من قيام المنظمات البيئية الغربية بنشر الملصقات التحذيرية, المعززة بالصور الملونة عن غازات الكيمتريل, وآثارها السلبية المدمرة للبيئة, وعلى الرغم من كل التأكيدات التي أدلى بها الكولونيل (تامزي هاوس), ونشرتها القوات الجوية الامريكية على موقعها الرسمي, والتي قال فيها: أن أمريكا ستكون قادرة في نهاية عام 2025 على تدمير طقس الأقطار المعادية لها, وإنها ستمتلك غازات حربية غير نووية, تطلقها الطائرات الحربية من خزانات وخراطيم ملحقة بأجنحة مقاتلاتها النفاثة, وأوضح إن الولايات المتحدة تعد العدة لاستعمال سلاح الكيمتريل كجزء من أسلحتها السوقية في حروبها المستقبلية. .
وعلى الرغم من رغبات البنتاغون بامتلاك أسلحة التحكم بالطقس, لإطلاق الكوارث الطبيعية الاصطناعية, كالأعاصير, والفيضانات, والتسبب في الجفاف, وتحقيق الأغراض الحربية الرامية إلى نشر الفقر والمجاعة في البلدان المناوئة للإرادة الامريكية, وعلى الرغم من قيام أمريكا نفسها بجهود حثيثة لإقناع شعبها بقبول هذا السلاح الجديد بذريعة حماية الناس من الهجمات (الإرهابية) المحتملة. .
على الرغم من هذا كله, دأبت بعض العقول العربية على إنكار وجود هذا النوع من الأسلحة الكيماوية المدمرة, متحججة بذرائع وتبريرات واهية, من مثل قولهم: لو كانت أمريكا قادرة على التحكم بالمناخ, فما الذي يمنعها من التصدي للأعاصير الكاسحة, التي تضرب سواحل فلوريدا كل عام ؟. متناسين أن التحكم الذي تعنيه أمريكا يتلخص في النواحي التخريبية, ولا قدرة لها على التصدي للكوارث الطبيعية, فهي قادرة على خلق الأزمات المناخية, لكنها غير قادرة على مواجهة الكوارث الحقيقية. .
فما أسهل أن تتسبب جهة ما في صناعة الدمار والتلوث, فتصب الزيت في عرض البحر بهدف نشر الملوثات النفطية, لكنها تعجز تماما عن حماية سواحلها عندما تتعرض إحدى ناقلات النفط العملاقة للجنوح والغرق, فإمكان رجل واحد تهديم عمارة مؤلفة من عدة طوابق في ساعة واحدة بأصابع الديناميت, لكنه غير قادر على إعادة بنائها في شهر واحد, حتى لو اجتمعت معه الكوادر الفنية والهندسية كلها, فما أسهل الهدم والتخريب, وما أصعب البناء والتعمير, وفي قصص الحروب نقرأ عن دول كثيرة كانت على هذه الشاكلة, ديدنها التخريب, ومعولها في يدها من أجل الهدم والدمار, وقد آن الأوان لنا أن نؤمن بحقيقة الأسلحة المناخية, التي صارت في متناول فيالق القوى الاستعلائية الجبارة. .
خطوط الكيمتريل في الجو
لغازات الكيمتريل تأثيرات عجيبة على المناخ, فبعد سويعات من نفثها في الجو تتشكل السحب الاصطناعية الشريطية بتحول أكاسيد الألمنيوم إلى هيدروكسيدات, فتنخفض رطوبة الجو بنسبة 30%, وتتمدد السحب بالطول والعرض, فتهبط درجات الحرارة إلى المعدلات الدنيا المساعدة على انكماش الكتل الهوائية, فتتكون المنخفضات الجوية في طبقة الاستراتوسفير, وتندفع الرياح بقوة من المناطق البعيدة المجاورة لتعبث بالتوازن المناخي للمنطقة المضروبة, فتنقشع الغيوم ويتغير سلوكها في مواسمها الطبيعية, فتغيب لأيام وربما لأسابيع, مخلفة وراءها البرودة المزعجة والجفاف القاتل.
تستمر الحرارة بالهبوط, وتفقد السماء زرقتها المعتادة, فيتأرجح لونها بين الرمادي والأبيض والباهت, ثم يأتي الإطلاق الثاني والثالث والرابع فتضطرب الأجواء مرات ومرات بسرعات مذهلة, وتنفلت إيقاعات الرعد, وتنزل الصواعق الرعدية من دون أن يسقط المطر, فيتصاعد الغبار, ويتردى مدى الرؤية. .
الملفت للنظر أن أشجار النخيل هي الأكثر تأثرا بمساحيق الكيمتريل, وبخاصة حين ظهر عليها الحزن والانكسار, فانحنت رؤوسها إلى الأسفل, واضمحلت ألوانها, وتخشبت أعذاقها, واصفرت سعفاتها, وتجمعت في خصلة واحدة بموازاة الجذع, فنضج التمر خاويا متيبسا فاقدا لرحيقه السكري. وهذا ما بدت عليه نخيل البصرة, وخوزستان, والبحرين, والكويت, فالانكسار هو القاسم المشترك لبساتين النخيل في الجزر الشمالي من حوض الخليج العربي, وربما امتدت يد الكيمتريل لبساتين المنطقة الشرقية في السعودية, بيد أن انحناء رؤوس النخيل, واصفرار سعفاتها كانت هي العلامات الفارقة لنخيل البصرة.
أما السواحل الأفريقية الشمالية, في المغرب, والجزائر, وليبيا, وتونس, ومصر, فقد كان الكيمتريل هو القطار الذي نقل أسراب الجراد الأحمر, وسمح لها بعبور الحدود من دون حاجة إلى تأشيرات الدخول. وكانت سلة (الأوديسا) ممتلئة بمساحيق الكيمتريل.
لقد جاءت مصر في مقدمة الأقطار المتضررة, وتحملت وحدها غارات الجراد على مزارعها وحقولها بمباركة الناتو.
وربما كانت كوريا الشمالية هي الدول المنكوبة زراعيا, بعد فيتنام, التي تعرضت في القرن الماضي إلى حملات جوية مبرمجة استخدمت فيها الطائرات الامريكية كميات هائلة من مبيدات النباتات, فتحولت غاباتها إلى صحراء قاحلة في غضون عام واحد فقط. بيد ان السلاح الجوي الذي تسبب بالكارثة الكورية يختلف تماما عن السلاح الذي أزيلت به مزارع فيتنام, فالكيمتريل هو الغاز الذي اتلف محاصيل الرز في كوريا, وحرمهم من غذائهم الرئيس, وتسبب في مجاعة مروعة, راح ضحيتها (6,2) مليون الأطفال فقط, ومازالت المناطق المنكوبة تعاني من الجفاف.
نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً
ما يؤسف له أننا في العراق صرنا مهددين بأسلحة الجفاف, بعد أن هبت علينا بلدوزراتها الكاسحة من كل حدب وصوب, وتوحدت ضدنا الدول المجاورة لنا في مشاريعها التجويعية, فتعمدت حرماننا من حقنا في مياه الري, واشتركت كلها في قطع أوردة الأنهار والروافد, أما بتغيير مساراتها بعيدا عن الحدود العراقية, أو بإقامة السدود والنواظم الجبارة على نهري دجلة والفرات. ثم انضمت إليها القوى الشريرة, التي شنت غاراتها الكيمتريلية على العراق, وتسمرت إبصارنا في كبد السماء بحثا عن خطوط الكيمتريل, فشاهدناها كيف تتلوى وتتكاثف فوق رؤوسنا, وها نحن في عز فصل الشتاء, ولم تسقط على بعض ضواحي البصرة قطرة واحدة من المطر, باستثناء الرذاذ المطري الخفيف, الذي تناثر هنا وهناك, بكميات ضئيلة لا يمكن أن ندرجها في جداول الكميات المطرية المألوفة. .
يهزنا صوت الرعد, ويبهرنا بريق الصواعق, من دون أن يتساقط علينا المطر, نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً. .
فهل ستقتلنا الأفاعي الجوية المريبة, فنموت بسمومها, بالطريقة التي مات فيها مالك بن الريب ؟. أم نموت حزنا وألما على عمتنا النخلة, التي انحنى رأسها, وتيبس جذعها, حتى شاخت ودب الشيب في خوص سعفاتها, وتخشبت أعذاقها, فماتت واقفة تحت سماء الكيمتريل. .
والله يستر من الجايات. .