الحمد لله المبتدئ بالنعم ، بارئ النسم ، ومنشر الرمم ، ورازق الأمم الذي علمنا ما لم نكن نعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين ، وعلى آله الطيبين ، والحمد لله رب العالمين ، أما بعد السلام عليكم ورحمة الله اخوة الايمان نظرا لما تحمله هذه الوصية من الحكمة البالغة والكلمة الصادقة ،هذه وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكميل بن زياد في العلم وأهله نفع الله بها ومن نظر فيها برحمته
قال كميل بن زياد النخعي: خرجت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الجبانة، فلما أصحرنا تنفس الصعداء، ثم قال: يا كميل بن زياد، إن القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير. احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجئوا منه إلى ركن وثيق.
العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال. والعلم يزكو على الإنفاق والمال تنقصه النفقة. والعلم حاكم والمال محكوم عليه. ومحبة العلم دين يدان الله تعالى به يكسبه الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته. مات خزنة الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أشخاصهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة.
إن ههنا، وأشار بيده إلى صدره، لعلماً جماً لو أصبت له حملة بل قد أصبت له لقناً غير مأمون عليه، يستعمل الدين للدنيا فيستظهر بحجج الله على كتابه، أو كما قال، وبنعمه على عباده، أو منقاداً لأهل الحق لا بصيرة له في أخبائه، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك! أو مهموماً باللذات سريع الانقياد للشهوات، أو مغرى شأنه جمع المال والادخار ليسا من رعاة الدين أقرب شبهاً بهما الأنعام السائمة.
اللهم فكذلك يموت العلم بموت حامليه، ولكن لن تخلو الأرض من قائم لله تعالى بحججه لئلا تبطل حجج الله وبيناته، ومن أولئك، وأين أولئك، أولئك الأقلون عدداً الأكثرون عند الله قدراً، تجول الحكمة في قلوبهم حتى يزرعها في قلوب أشباههم، ويودعوها في صدور نظرائهم.
هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فباشروا روح اليقين، فاستلانوا ما استوحشه المترفون واستأنسوا بما استوحش الجاهلون. صحبوا الدنيا بأجساد أرواحها متعلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده وأمناؤه على عباده، ودعاته إلى دينه. آه شوقاً إلى رؤيتهم!