ولم يكد يتم كلامه حتى طلق الرجل زوجته التي امرها النبي بالعوده
لبيتها ، وتوعدا العجوز بالعقوبه.
لكن حال بشر قد انقلبت من تلك اللحظه رأسا على عقب ونقل الحب
سهمه من قلب هند الى قلبه ، فلم كد يعود لمنزله حتى ترأت له هند
بجمالها وحسنها ووجد قلبه أسيرا لهواها.
لكنه مؤمن بالله ولا يجوزله ان يعلن عن شغفه بها قبل ان تنقضي عدتها
،فكان يعد الايام بالدقائق والثواني حتى مرت اشهر العدة . وارسل أليها
يطلبها لزواج،لكن الجرح الذي الحقه بشركان غائرا،ولم يلتئم.فرفضت
الزواج منه فلما عادت المراة التي ارسلها لهند بخبر رفضها بكى بكاء
حارا ،وكتب لها يقول:
ارى القلب بعد الصبر أضحى مضيعا
وأبقيت مالي في هواك مضيعا
فلا تبخلي يا هند بالوصل وارحمي
اسير الهوى بالحب اضحى مضيعا
فلما قرات رسالته كتبت تحتها:
اتطلب يا غدار وصلي بعدما
أسأت ووصلي منك أضحى مضيعا
ولما رجوت الوصل منك قطعته
وأسقيتني كأسا من الحزن مترعا
وأخجلتني عند النبي محمد
فكادت عيوني ان تسيل وتطلعا
ولم تكد تمر عيناه على هذه الابيات حتى اشتد جزعه ولوعته وكتب
يقول لها:
سلام الله من البعاد
على الشمس المنيرة في البلاد
سلام الله يا هند عليك
ورحمته الى يوم التنادي
وحق الله لا ينساك قلبي
الى يوم القيامة يا مرادي
فرقي وارحمي مضنيى كئيبا
فبشر صارملقى في الوساد
فداوي سقمه بالقرب يوما
فقلبي ذاب من ألم البعاد
ثم ارسل لها المراءة التي تطلبها له للزواج تستعطفها ،وتسترحمها
وتبلغها رسالته.لكن هند تشفت فيه ، وتذكرت ما يرد به على رسائلها
فكتبت تقول له:
سلام الله من شمس البلاد
على الصب الموسد في المهاد
فأن ترج الوصال وتشتهبه
فأنت من الوصال على البعاد
فلست بنائل من وصالا
ولا يدنو بياضك من سوادي
ولا تبلغ مرادك من وصالي
الى يوم القيامه والتنادي
فلما قرأ كلامها غشي عليه،وعندما افاق كتب لها:
كتبت أليك لما ضاق صدري
واسكتني التجلد والعياء
كتابا من فتى دنف عليل
فرقي يا مليحة وارحميني
فقد كثر التندم والبكتء
وعزالي بحبك عنفوني
وربي فيك يفعل ما يشاء
وقد ظن ان شكواه سترقق قلبها لكنها أتت بنتيجة عكسية . فقد
تشفت فيه وامعنت في هجره وكتبت تحت شعره تقول :
كتبت الى تشكو ما تلاقي
من الاسقام اذ نزل القضاء
فأنك لم تزل ابدا سقيما
ووجدك لا يكون له انقضاء
فمن هند الصدود مع التجافي
ومن بشر التضرع والبكاء
فعش صبا ومت كمدا
فواحدة بواحدة جزاء
فلما قرا بشر هذه الابيات اغتم وداهمه الشقاء والجزع فعافت نفسه
الطعام والشراب حتى ذبل وذوى شبابه ونحل جسمه . فقالتاخته:هل
أتيك بطبيب؟فقال لها: تعلمين يا اختاه سبب علتي ،ولا شقاء الا بوصلها
،ولو رايت هند فأن روحي تصفق بين ضلوعي .
فذهبت أخته الى هندا وقالت لها : ان بشر يجود بروحه وانقاذه في
نظرة منك.
وهنا رق قلب هندا وتذكرت هواها القديم ، الذي ازاحت حال بشر الرماد
من فوق جمره الملتهب الذي حاولت هند كتمانه ،فاندفعت اليه مع
اخته،وعندما وصلت أليه كان يحتضر ، فلما رأها غالب سكرات الموت
وابتسم وسلم عليها وقال:
أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل
ولما رأتني في المنايا تعطفت
وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل
وكأنما فجر كلا بشر بركان هواها ،فبكت وقالت:
أيا بشر حالك قد فنى جسدي
وألهب النار في جسمي وفي كبدي
وفاض دمعي على الخدين منسكبا
وخانني الدهر فيكم وانقضى رشدي
ماكان قصدي بهذا الحال انظركم
لا والذي خلق الانسان من كمدي
فنطق بشر بصعوبه وانفاسه تتلاحق:
أيا هند أن مرت عليك جنازتي
فنوحي بحزن ثم نوحي ورنمي
وقولي أذا مرت عليك جنازتي
وشيري بعينيك على وسلمي
وقولي رعاك الله يا ميت الهوى
وأسكنك الفردوس أن كنت مسلم
ثم لفظ أخر نفس من أنفاسه وفاضت روحه فألقت هند نفسها عليه
وأخذت تبكي وتنتحبوتقول:
أيا عين نوحي على بشر بتغرير
ألا ترويه من دمع بتقدير
يا عين فيضي من بعد الدموع دما
لأنه كان في الطاعات محبور
لفقد بشر بكيت اليوم من كمد
لأخير في عيشة تأتي بتكدير
ألقاك ربك في الجناتفي غرف
تلقى النعيم بها بالخير موفور
ثم شهقت شهقة خرجت معها روحها،فخرجوهما فجودهما قد
ماتا،فغسلوهما ودفنوهما في قبرين متجاوريين
تحياتي


رد مع اقتباس