صدر حديثا عن مؤسسة حمدي للطباعة والنشر في محافظة السليمانية- العراق في نهاية العام 2010 الجزء الثاني من أحد عشر مجلداً من كتاب ( لمحات من عراق القرن العشرين ) لمؤلفه الباحث والكاتب العراقي الدكتور كاظم حبيب. يقع الكتاب في 390 صفحة من القطع الكبير ويضم ثمانية فصول. وقد أنتهى المؤلف من وضع جميع الأجزاء تحت تصرف المؤسسة لطبعها ونشرها تباعاً.
يأتي الجزء الثاني من الكتاب ليستعرض في مدخله الحالة العراقية منذ الاحتلال العثماني حتى بداية نشوء الدولة العراقية الحديثة, مواصلا التسلسل التاريخي الذي اعتمده في الجزء الاول والذي تحدث فيه عن واقع العراق في العهدين الاموي والعباسي.
في الاستهلال الذي كتبه المؤلف كمقدمة للكتاب, يؤكد انه "لا يسعى الى تقديم دراسة تاريخية مفصلة ودقيقة عن مراحل تطور العراق منذ العصر الاموي فالعصر العباسي ومرورا بالدويلات التي اعقبت سقوط الدولة العباسية.... كما انه لايطمح الى تغطية احداث ومراحل تطور العراق في العهد العثماني... ". بيد انه يشير الى ان الظواهر التي يريد البحث في بعضها أو الكتابة عنها ذات وجهة واحدة. كما يتحدث في مقدمته التي احتلت ست عشرة صفحة بالتحدث عن العنف في العراق في الحقبات التاريخية التي بحث فيها واختار نماذج مهمة ليطرحها بسلاسة واضحة على القارئ الكريم, ومن ثم يعرج على الارهاب الذي تفجر في العراق بعد سقوط النظام في 9 نيسان 2003 ويعدد اسبابه.
في الفصل الاول يتحدث الكاتب عن الاحتلال العثماني للعراق وظروف الانحطاط الحضاري الذي كان يلفه في مختلف المناحي إضافة الى الاوبئة التي كانت تفتك به والفيضانات التي كانت تجرف ممتلكاته. ولم يفته ان يشير الى تأثير القوى الاجتماعية والسياسية التي سعت الى ادخال الاصلاحات في الدولة العثمانية.
أما الفصل الثاني فيتحدث عن اوضاع العراق في نهاية عهد المماليك, وكيف ساهم سكان العراق في بناء الحضارة الانسانية وتطور المجتمع. ويتحدث عن فترة حكم داود باشا التي اتسمت بالفوضى والاضطرابات والدسائس والحكم المطلق وفشله في توطين القبائل الرحل. ثم يتحدث عن سقوط داود باشا وعودة السيطرة العثمانية المباشرة على العراق من خلال الحملة العسكرية التي شنها السلطان محمود على والي بغداد.
وفي الفصل الثالث يتحدث عن احوال العراق خلال المرحلة العثمانية الجديدة التي بدأت مع سقوط داود باشا بتصفية الاقطاعيات العسكرية للسباهيين والاسر الكردية في مناطق راوندوز والعمادية والسليمانية ومحاولات إخضاع العشائر الكردية الى السلطة المركزية, واحوال المدن العراقية التي كانت, على تخلفها, تشكل مراكز مهمة بالنسبة للقرى والارياف المحيطة بها- حسب المؤلف.
أما الفصل الرابع فيطرح موضوع تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في العراق منذ العام 1869 ومطلع القرن العشرين, مستهلا ذلك بتنصيب مدحت باشا واليا على بلاد ما بين النهرين ومن ثم يتطرق الى تطور المسألة الزراعية واحوال الفلاحين والعلاقات الزراعية في الريف العراقي وتطور الانتاج الحرفي في المدينة واحوال العاملين فيه ويستعرض العلاقات التجارية الخارجية ودور الشركات الاجنبية في العراق.
الفصل الخامس من الكتاب يبحث في البنية الاجتماعية لسكان العراق في الفترة الاخيرة من العهد العثماني معززا بجداول تقديرية عن التوزيع الديني- القومي لسكان العراق في العام 1919 وآخر عن سكان العراق حسب الولايات وثالث يوضح تركيب السكان البدوي- الريفي- المدني في اقاليم العراق الثلاثة خلال الفترة 1867- 1905 والتأثيرات الحاصلة في بنية السكان وارتفاع مستوى الانتاج الزراعي وازدياد الطلب على السلع الاستهلاكية وتقلص في المشكلات وارتفاع في معدلات النمو السكانية واتساع المدن وغيرها.
وفي الفصل ذاته يخصص الباحث مساحة لاعطاء لوحة تقريبية عن البنية الاجتماعية في القرن التاسع عشر والبنية الطبقية في الريف العراقي ويعرج على بعض الملامح الاساسية للعلاقات القبلية في العراق وبنية مجتمع المدينة من فئة صغار المنتجين وفئة اشباه البروليتاريا وفئة العبيد ويأتي باسعارهم في السوق العراقي. كما يتحدث عن الفئات العمالية ومواقع النشاط الرأسمالي المحلي ومواقع الشركات الرأسمالية الاجنبية, ويعزز ذلك بجدول يبين فيه اجور العمال في المشاريع البريطانية في العراق. ويتطرق الى فئة التجار وفئة العاملين في اجهزة الدولة والحالة الاجتماعية والتعليم. ويختتم الفصل الخامس بالبحث في واقع الاستبداد والتعذيب العثماني والمماليكي في العراق.
أما الفصل السادس فيخصصه الكاتب للحديث عن تطور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العراق اثناء الحرب العالمية الاولى من خلال مبحثين, الاول يستعرض فيه الوضع في العراق حتى نهاية الحرب العالمية الاولى وتكريس النفوذ الاقتصادي والسياسي البريطاني ويعززه بالجداول. أما المبحث الثاني فيتحدث عن العراق في سنوات الحرب العالمية الاولى.
الفصل السابع يعرض إطلالة على كردستان العراق في ظل الهيمنة العثمانية من خلال عدة مباحث, يستعرض في الأول حالة كردستان الجنوبية قبل الحرب العالمية الاولى والجهد الاساسي لحكام الامارة البابانية والغالبية العظمى من حكام الامارات الكردية التي كان هدفها إقامة إمارة كردية قوية في كردستان الجنوبية والسعي الى تأمين استقلال الامارة, وتمتعها بحكم غير خاضع للدولة الفارسية او العثمانية, وكذلك تأمين مستلزمات استمرار استغلالهم للمناطق الخاضعة لهم من الناحية الاقتصادية. أما المبحث الثاني فيعرض حالة كردستان العراق قبل تكوين الدولة العراقية الحديثة. ويستعرض بالتحليل في المبحث الثالث العوامل التي ساهمت في تفجير انتفاضة السليمانية في العام 1919 والنتائج التي انتهت إليها تلك الانتفاضة.
أما الفصل الثامن والاخير فيستعرض اجواء نهاية الحرب العالمية الاولى وتشكيل الدولة العراقية الملكية عبر عدة مباحث, تبحث حالة العراق في نهاية الحرب العالمية الاولى والعوامل المفجرة لثورة العشرين, الداخلية منها, العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والعوامل النفسية. ثم يتحدث عن العوامل الخارجية, ومنها العربية والاقليمية. ويستعرض طبيعة قيادة الثورة وجيشها ويختم هذا الفصل بنتائج ثورة العشرين, باعتبارها تجربة سياسية غنية للشعب العراقي في مواجهة القوات البريطانية. وبلور في هذا الفصل التناقضات التي كانت تبرز في معسكر قوى الثورة وأهداف القوى التي ساهمت في إشعال الثورة ومن ثم عوامل إخفاقها.
ويختتم الباحث كتابه الثاني بخلاصة مكثفة وجامعة. ويخصص ملحقا بالمصادر العربية والمصادر باللغات الاجنبية. ويأتي في الصفحات الختامية بفهرست للاسماء التي وردت في سياق احداث الكتاب.
الكتاب الثاني جهد استثنائي وقيم بحق. سخر المؤلف عصارة تجربته البحثية والاكاديمية ليقدم منجزا عراقيا تغتني به المكتبات العربية ودليل جاهز لطلبة العلم والتاريخ وللباحثين دون استثناء. بيد ان ما يؤسف له, هو نوع الطباعة والتنضيد والاخراج الردئ الذي حظي به هذا الجهد الكبير.
عرض: جورج منصور