غربة الوطن



وَجَدتُها في ربيعِ العمرُ تسئلنَي ... ياشَيخ ماسرَ هذا الوَهنَ وَالحَزَنِ
مَنْ ذا الذي يَسلِبَ الأبطالَ قوَّتها ...مّنْ ذا الذي يَسرِقَ الأغماضَ والوسَنِ
مَنْ ذا الذي يَتركَ الألبابَ خاوية ... تَبكي عَلى الطَلِّ في بَغدادَ واليمنِ
مَنْ ذا الذي لاتُرى في البُعد بَسمَتَه ...إلاّ دُموعاً على الخَدَّين كَالمَزنِ
إني أراكَ بخيرٍ لاأرى أحَد... قَدْ جاءَ يَسئَل دَيْناً منك ممتحن
ثيابكَ البيضُ لم تُدنَسْ بشائبةٍ... تُناغمَ الروضَ والأزهارَ بالفَنَنِ
فَقُلتُ ياطِفلَتي هَمُّ أَنوءُ بهِ ...أخفيتُهُ دمعةً في طارفِ الجَفَنِ
قَلبِي كَئيبٌ وحُزنِي لايُفارِقَني ...وحَسرَتي تَستَبيح َالسر والعَلَنِ
إني أرى الريحَ تَعصِفُ بي.. كَساريةٍ ... تَكَسَّرَتْ وَسْطَ مَوجٍ أَتعَبَ السَفَنِ
وفي فؤادي سِرٌّ سَوفَ أُخبِرَكِ ...عشرون عاماً مَضَتْ في غربة الوطنِ
ماذا أقولُ إذا مالموت داهمني ...ولاصَديق تولّى الغُسلَ والكَفَنِ
أو حُفرةٌ في بلادِ الغَربِ تقبرُني ...تَأسى على غُربَتي.. كانَتْ بِلا ثَمَنِ
لامِن قَريبٍ الى قَبري يُجاورُني ... وَلاصَديق غداً يأتي ويَذكِرُني
لاشئَ يُخْبِرُهُمْ عني سوى حَجَرٍ... مَن مَرْمَرٍ لايُجيدَ القولَ ..كالوثنِ
خُطَّتْ عَليهِ كِتاباتٍ تَفيضُ أسىً ... هذا العراقيُّ وَسطَ القَبرَ مُرتَهَنِ
يِبكي عَلى البَصرَةِ الفَيحاء حَيثُ لهُ ...من أُخوةٍ رَضَعوا مِنْ ذلكَ اللبنِ
لكنَّهُم قَد نَسوهُ وسْطَ غربتهِ ...وتابعوا عَيشُهُم بَحثاً عَن الحَسَنِ
حتى الأزقَّةَ لَمْ تَذكُرْ مودَّتَّهُ ...أذ عانَقَتْ غَيرَهُ بالوِدِّ مُؤتمنِ
روحي الّتي بَينَ أظلاعي تُعاتِبَني كَيفَ أرتَضَيتَ وتَسكُن تلكُمُ المدنِ
لوكانَ كوخٌ على أرضي أشيدُهُ خيرٌ من العيشِ أن أحيا بلا سَكَنِ
تَمَكَّنَ الصَمْتُ أَن يَترُكْ لَهُ أثَراً... بيَن الوجوه وما للقَول مُتَّزَنِ
حِوارُنا في عيونٍ مِلؤُها أَلَمٌ ... فللحَديثَ شُجونٌ أَخرَسَ اللُّسُنِ
فأَطرَقَتْ في ذُهولٍ وَهي باكية ...وَدارَ في رَأسِها شَئ منَ الشَجَنِ
ياربُّ رَحمْاكَ قالَتْ وَهيَ داعِية ... لُطفاً بِنا مِن فِعالَ الدَّهر والزمنِ

ابو حيدر الشريفي
2010/8/3