يتطلب تحقيق النجاح في أي مجال الوقت والمثابرة والصبر. ولو أن ثمة أي رسالة يتطلب الوقت الراهن أن أوجهها الى العراقيين وأخواننا العرب والمسلمين في جميع الدول المجاورة سيكون ملخصها هو تلك المقولة وهي أن تحقيق النجاح يتطلب الوقت والمثابرة والصبر.

أثارني أحد إستطلاعات الرأي المنشور على الموقع الألكتروني لأصوات العراق خلال تصفحي لذلك الموقع. وكان السؤال الذي طرحه الإستطلاع هو ماهي نسبة نجاح المفوضية المستقلة للإنتخابات في العراق في تنظيم وضمان نزاهة الإنتخابات التشريعية الأخيرة؟

فجاءت نتائج الإستطلاع مثل نافذة الى العقل البشري عند إحتدام النقاش السياسي، فقال 51% من المشاركين بأن المفوضية "لم تنجح"، بينما أشار 39% منهم الى "النجاح الباهر الذي حققته المفوضية"، في حين راح القسم المتبقي الى القول بأنه كان هنالك نجاح "متوسط" أو "محدود" لعمل المفوضية.

ومن الواضح بأن كيفية الجواب على ذلك السؤال يتوقف على كيفية تعريف كلمة "النجاح"، ولكن ثمة شيء كان على الدوم مفهوم لدي وهو أن البشر بطبيعتهم (ونحن العرب على نفس الشاكلة) لديهم ميول مؤسف لرؤية السياسة والدين من خلال واقع لايقبل القسمة على أثنين أما النجاح أو الفشل. والماء أما بارداً أو حاراً واللون "يأسود يأبيض على ذكر أخواننا المصريين". والناس أما أن تكون سنة أو شيعة، وأما أن تكون مسلماً أو كافراً، أو أن تكون صديقاً أو عدواُ. فلا تجد حلول وسطى.

نتائج الإستطلاع تظهر بأن القليل منا يقبل الإعتدال أو الوسطية وأختلافات الرأي ووجهات النظر. ولكن لو نظرنا الى ماحولنا في العالم الى الدول "الناجحة" أو على الأقل الدول "المستقرة" فسنجد أن الإعتدال والحلول الوسط والتقدم المضطرد هو العرف السائد في تلك الدول.

فلو أردنا فعلاً لبلدنا التقدم علينا أن نتوقف عن النظر الى السياسة والدين من خلال منظار الأمر غير القابل للقسمة على أثنين. فلماذا التعنت في أرائنا فإما أن نقبل بالشيء كلياً أو نرفضه رفضاً قاطعاً؟ ففي الواقع كلنا يعلم أن هنالك مفاهيم مثل "الدفيء" أو "الرصاصي" أو "الوسط" أو "الإعتدال". لحد هذة اللحظة مازال لدينا الإعتقاد الراسخ وهو أننا نعتبر فكرة "التسوية" معادلة للفشل. لكن من منا يريد أن يأكل طعاماً أما "محترك" أو جامد؟ من منا نظر ولو لمرة واحدة الى غروب الشمس الجميل من خلال الغيوم الوردية أو ألإرجوانية وقال أن ذلك المنظر قبيح لكونه غير صافي أو غائم؟

إخواني وأخواتي إن الإعتدال والوسطية وإيجاد التسويات هي الحلول المناسبة لمشاكلنا في العراق. فلا يمكن أن نكون جميعنا ألأسرع ولا الأبطأ. وليس جميعنا يمكن أن يكون أذكياء ولا نحن جميعنا يمكن أن نكون أغبياء أو سمان أو نحيلين أو رضع أو شيوخ. فلماذا إذاًً تكون نظرتنا السياسية والدينية من منظار واحد لايقبل القسمة على أثنين؟ لماذا يوجد لدينا فقط أصدقاء أو أعداء؟ ألا تعتقدون أن الحياة تكون أكثر جمالاً عندما تكون هناك أراء متنوعة؟

آن ألأوان لنقبل أراء بعضنا البعض على إختلاف تنوعنا الجميل. آن ألأوان لنصنع حبلاً متيناً واحداً من مختلف أرائنا وإتجاهاتنا. آن ألأوان للقبول بالتسويات والحلول الوسط المعتدلة. آن ألأوان ليس فقط كي نتسامح مع بعضنا البعض ولكن أيضاً لنحتضن بعضنا البعض كأخوة وأخوات في عراقنا القوي الموحد.

وبالتأكيد فأن ذلك يتطلب الوقت والصبر والمثابرة، ولكن علينا أن نخطو الخطوة الأولى.