القاضي منير حداد الذي أعدم الدكتاتور السابق صدام حسين ، تكتنز ذاكرته وأوراقه كثيرا من المحطات والفصول المثيرة في هذا المشهد، فهو أول قاض ــ بعد زميله رائد جوحي ــ التقى الرئيس السابق عقب اعتقاله،
وكان يشغل منصب نائب رئيس المحكمة الجنائية العراقية العليا وأحد القضاة السبعة الذين وقعوا على اعدام صدام وكل من عواد البندر، وبرزان التكريتي، وجددوا العقوبة على طه ياسين رمضان من الحكم بالسجن المؤبد الى الاعدام. كان هذا الحوار مع القاضي منير حداد:
إبعاد من حاكموا صدام وأسهموا في إعدامه من مواقعهم
أين تعمل الآن، سيادة القاضي؟
ــ قاض في مجلس قضاء كردستان.
لماذا؟
ــ لأنني خرجت من المحكمة الجنائية العليا، بسبب ضغوط تعرضت لها مع زملاء آخرين على يد أشخاص لهم أجندة خاصة.
حبذا لو توضح الأمر أكثر.
ــ اعذرني عن الدخول في التفاصيل، وأكتفي بالقول ان الذين حاكموا صدام حسين وأسهموا في اعدامه ــ وأنا من بينهم ــ قد أقصوا عن مواقعهم تحت وطأة الضغوط التي تعرضنا لها من قبل أشخاص لهم أهداف محددة.
هل بالامكان ذكر هؤلاء الأشخاص؟
ــ كلا.
طيب، والذين تم اقصاؤهم غيرك؟
ــ قاضي التمييز زهير عبدالوهاب، والقاضي الذي حقق في قضية الدجيل ناظم الياسري، والقاضي الذي حقق في انتفاضة 1991 عدنان البدري.
كان «شاهدا» في الجريمة التي أعدم بموجبها
فلنبدأ من محاكمة صدام..
ــ هناك نقطة مهمة لا يعرفها حتى أغلب المتابعين، هي أن صدام حسين قد مثل أمام المحكمة بصفته شاهدا في قضية «الدجيل»، لكن المدعي العام طلب نقض القرار لدى الهيئة التمييزية، فأحالته الأخيرة عقب دراستها طلب الادعاء العام، الى متهم في هذه الجريمة التي أعدم بموجبها.
أنت القاضي الأول بعد زميلك رائد جوحي كنت قد التقيت صدام عقب اعتقاله.. فما الذي جرى بينك وبينه؟
ــ نعم، التقيته وتعاملت معه وفقا للمعايير المهنية بصفتي قاضي تحقيق. وجهت له تهمة ابادة الاكراد الفيلية، فرد علي قائلا «هذه تهمة سياسية وليست جنائية، لأن الكرد جزء من شعبي وأنا لم أؤذ أحدا من أبناء الشعب».
ثم قلت لصدام ماذا تقرأ فيَ شخصيا؟ فأجاب «لا أرى نظرة الشر في عينيك».
وقلت له أيضا: صار لك 35 عاما تتكلم، فدعنا نتكلم؟ ورد علي بالقول «خذ راحتك». وبلا فاصلة تابع «البلد محتل والحكومة عميلة للأميركان».
فرددت عليه: الحكومة انتخبها الشعب العراقي بحرية. فرد علي: «هذه لعبة وأنت شاب ما تفهم بالسياسة وستكتشف لاحقا أنها لعبة».
طلبت اليه أن يأخذ راحته في الكلام وكان عدد من الأميركان قد اصطحبوني في هذا اللقاء، وأوضحت له أنني لست عميلا لهؤلاء الأميركيين. فأجابني متسائلا: «من العميل اذا؟»، فشعرت انه يقصدني، فقلت له: أنت تعرف من هو العميل.
كيف تقيم شخصيته؟
ــ ،فهو في كفة وكل جماعته الذين التقيتهم في كفة أخرى، فقد كانوا يخشونه بوضوح أثناء جلسات المحاكمة، وقد أخذوا حريتهم عقب اعدامه، باستثناء برزان التكريتي.
ما بال برزان؟
ــ برزان حكى لي كثيرا ضد صدام، وقال: لقد نصحته بضرورة أن يتحول الى الديموقراطية وينبذ العنف ويجري انتخابات حرة في البلد، لكنه لم يستمع الى نصيحتي.
لماذا لم يشر الى ذلك خلال المحاكمة؟
ــ أثناء التحقيق كان برزان يقرظ بصدام حسين، لكنه في المحاكمات العلنية يتراجع عن أقواله.
وأنت شخصيا، هل كنت خائفا أثناء ادائك هذه المهمة القضائية؟
ــ نعم، كنت قلقا من الأخطار التي تتهددني مع عائلتي، فعشية الاعلان عن حضوري لتنفيذ حكم الاعدام في صدام كانت بغداد شبه ساقطة أمنيا.
فصول الإعدام دراما ساخنة
ماذا عن الإجراءات التي سبقت الاعدام، ولحظات اعدامه التي أسهمت فيها مباشرة بنفسك؟
ــ في 23-12-2006، ذهبت الى قاضي التمييز زهير عبد الصاحب وطلبت اليه اكمال القرار التمييزي في قضية الدجيل خلال فترة لا تتجاوز 4 أيام، فوافق لكنه فاجأني بالقول «انني قد شملت بقرار الاجتثاث من قبل «هيئة اجتثاث البعث» بدعوى انني كنت بعثيا، فيما أنا برئ من ذلك ولا علاقة لي بالبعث، لذا أريدك أن تتدخل لدى رئيس الوزراء نوري المالكي شخصيا لرفع هذا الحيف الذي لحق بي».
فتوجهت الى المالكي وعرضت عليه الأمر فقال «لا مانع من استثنائه ورفع الحيف عنه».
في 26-12-2006، اجتمعت الهيئة التمييزية للمحكمة بحضور سبعة من أعضائها التسعة، لأن العضو الثامن كان في الحج، والتاسع كان يتمتع باجازته في محافظة أربيل.
خلال هذا الاجتماع تم تصديق الحكم بالاعدام على صدام حسين وعواد البندر وبرزان التكريتي مع المصادقة على تشديد الحكم من المؤبد الى الاعدام على طه ياسين رمضان.
بعدها، وصل وفد قضائي أميركي برئاسة سيدة أميركية تحمل الدكتوراه في القانون الدولي الجنائي بعنوان تقديم المشورة لنا، لكننا انتهينا من صياغة المصادقة على الحكم قبيل وصول هذا الوفد، وقد علموا من خلال وسائل الاعلام اننا قد انتهينا من تحرير صياغة قرار التمييز بالاعدام.
وهل انزعج الأميركان من ذلك؟
ــ لا أدري، ربما.
أكمل سيادة القاضي..
في 29-12-2006، اتصل بي مكتب رئيس الوزراء طالبا حضوري، فتوجهت الى هناك ووجدت المالكي جالسا مع مدير مكتبه الدكتور طارق نجم العبدالله، ومستشاره السياسي صادق الركابي، فسألني «شنو عندك؟»، أي ماذا عندك؟
فقلت له: غدا أسافر الى هولندا في اجازة. فرد علي «أنت لا تسافر وأنت الذي تنفذ حكم الاعدام بصدام، اذا كان ذلك جائزا من الناحية القانونية؟».
فأجبته «نعم، يجوز، وفي أصول المحاكمات الجزائية عدة مواد تتعلق بتنفيذ أحكام الاعدام واجراءاتها تجيز ذلك».
فقال لي رئيس الوزراء «على بركة الله».
المالكي يهدد الأميركان بالاستقالة
وماذا بعد، سيادة القاضي؟
ــ في ليلة تنفيذ الحكم اتصل بي هاتفيا رئيس المحكمة عارف شاهين من محافظة السليمانية بعد أن عرف أن الحكم سيتم تنفيذه غدا، وقال لي «لا تعدم صدام حسين، واطلب من رئيس الوزراء ارجاء التنفيذ، لأننا لم نعلم بعد، من له صلاحية التنفيذ، الرئيس جلال الطالباني أم رئيس الوزراء؟». لكنني لم أبلغ المالكي بذلك الا بعد التنفيذ وتحديدا خلال استقباله للمهنئين بعيد الأضحى، وكان من بينهم رئيس أركان الجيش ومجموعة من كبار الضباط.
لماذا لم تبلغ رئيس الوزراء بملاحظة رئيس المحكمة وطلبه التأجيل؟
ــ لأنني كنت قد اطلعت على كتاب رسمي صادر من الطالباني يخول بموجبه المالكي تنفيذ الحكم.
معنى ذلك أنك كنت مطمئنا في أنك ستنفذ الحكم؟
ــ بالتأكيد، لا سيما بعد أن سمعت أن السفير الأميركي السابق في بغداد زلماي خليل زاد قد اتصل هاتفيا برئيس الوزراء طالبا منه تأجيل التنفيذ، لكن المالكي رفض بشدة وهدد بتقديم استقالته عبر وسائل الاعلام بسبب تدخل أميركا في الشأن القضائي، فتراجع السفير الأميركي عن طلبه.
لحظات تنفيذ الحكم
ــ في الساعة الخامسة والربع من صبيحة يوم 30-12-2006 توجهت الى مبنى مديرية الاستخبارات العسكرية السابقة، والتي هي الآن «سجن الحماية القصوى» الكائنة في الكاظمية، جلست هناك في غرفة مع وزير العدل، والمدعي العام، وقد أدخل علينا صدام حسين مكبلا وهو يحمل نسخة من القرآن الكريم بيده.
هل سلم عليكم؟
ــ لا، كان غاضبا ويشتم.
ــ جلس على الكرسي وبقي يردد «لعنة الله على الأميركان والايرانيين، أنتم في النار ونحن في الجنة، المجد والخلود للعراق والأمة العربية، تعيش فلسطين».
وماذا حصل بعد ذلك؟
ــ تلوت عليه قرار محكمة الجنايات الأولى باعدامه شنقا حتى الموت ثم القرار التمييزي بتصديق حكم الاعدام، ثم تلي عليه الأمر الديواني الموقع من رئيس الوزراء، فبقي يشتم بصوت عال، وكان أحد أفراد الشرطة الموجودين معنا، قال له «ليش حطمتنا وحطمت البلد بالحروب على ايران والكويت؟»، فرد على الشرطي بالقول «أنا حاربت أعداء العراق والأمة العربية».
ثم سأله المدعي العام «لمن تهدي قرآنك الذي بيدك؟»، فأجاب: «للمحامي بدر عواد البندر» أحد محاميّ الدفاع عن صدام.
فأخذ المدعي العام منه القرآن ثم اصطحبناه الى مكان المشنقة وأثناء صعوده اليها، قلت له: «لا يوجد معنا رجل دين، فقل لي وصيتك لأوصلها بأمانة». فرد علي قائلا «تعيش ليست لدي وصية».
وتابع القاضي منير حداد «وفي محاولة منه لصناعة بطولة رفض وضع الكيس في رأسه.. وقد تم شنقه فوقع سريعا ومات في الحال».
ماذا كان شعورك في تلك اللحظة؟
ــ طلبت من المستشار السياسي لرئيس الوزراء صادق الركابي سيجارة لأدخن، ففتح علبة التدخين ووجد فيها سيجارة واحدة LUCKY STRIKE اعطاني اياها فرفضت.
لماذا أردت التدخين من القهر؟
ــ أحسست أن الدنيا لا تساوي شيئا وقلت للركابي في حينها هذا صدام الذي كان الناس يخشون ذكر اسمه معلق في حبل المشنقة، لذا قررت الا أقترف ذنبا في حياتي. فقال: «نعم صحيح».
طيب.. والاجراءات الأخرى؟
ــ فحصه الطبيب وتأكد من موته، ثم قمت بتنظيم محضر تنفيذ الحكم ووقعت عليه ثم وقع عليه أيضا المدعي العام، وممثل رئيس الوزراء والطبيب، ورئيس السجن.
العودة بالطائرة.. و«بئس الورد المورود»
وبعد ذلك ؟
نحن كنا 14 شخصا عدنا كل 7 أشخاص بطائرة مروحية الى المطار في المنطقة الخضراء وكانت احدى هاتين الطائرتين تحمل جثة صدام حسين مع الأشخاص السبعة فيما صعدت أنا الطائرة الأخرى، وخلال العودة ونحن في الجو طلبت من المدعي العام منقذ الفرعون أن يناولني مصحف صدام حسين وقد نويت في نفسي بنحو «الاستخارة» معرفة مصير صدام بعد الموت، فظهرت لي الآية 98 من سورة هود،
والتي نصها « وبئسَ الورْدُ المورود ».
هبطت الطائرتان في المطار، وأقلت احدى سيارات الاسعاف جثة صدام الى منزل مجاور الى منزل رئيس الوزراء، وفي اليوم نفسه وصل رئيس عشيرته ووفد من محافظة صلاح الدين برئاسة نائب المحافظ وطلبوا نقل الجثمان الى هناك ووافق المالكي فتم نقله ..
المصدر: شبكة دولة القانون