بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

إن الذي يتذكر مصيره في القبر ويتصور أمامه حفرته التي سوف يرقد فيها يوما شاء أم أبى , ويتأمل في سفرته الطويلة إلى الآخرة حيث يتم فيها الحساب والكتاب والثواب والعقاب , ثم ينشر الله تعالى صحائف أعمال العباد : [ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ] إن مثل هذا الإنسان الذي يستحضر أمام نفسه سفرة الآخرة من القبر إلى الحشر ثم الجزاء , فإنه يصيغ نواياه وعمله في الدنيا وفق مايرضي الله تعالى بدقة ومراقبة ورصد ومحاسبة .

لذلك اتخذ العلماء الصلحاء أسلوب التذكر بالموت وما بعده وسيلة لترويض أنفسهم وتعميق التقوى في قلوبهم , عملا بقول الامام علي عليه السلام : ( اكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات ) .

من هؤلاء العلماء الصلحاء كان المرجع الديني الورع المرحوم آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي ( أعلى الله مقامه ) . كان قد حفر لنفسه قبرا في ساحة منزله بكربلاء , وكفنه على سجادة صلاته دائما .

فعندما كان يقوم بعد منتصف الليل ليؤدي صلاة الليل يلبس الكفن أولا , فينزل داخل القبر ويحدث نفسه قائلا : ( يا ميرزا مهدي , إعتبر نفسك الآن ميتا , وهذه حفرتك التي يدفنونك فيها شئت أم أبيت . قل لي من يفيدك هنا غير عملك الصالح !؟ فلم لا تستزيد منه , ولماذا تغفل عن مصيرك هذا , ولم لاتمهد لرقدتك هذه ... ) يردد هكذا ويكرر ويبكي , ثم يتلو الآية الشريفة : [ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب إرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ] .

ثم يوبخ نفسه قائلا : اسكت , إنك لاتستحق العودة إلى الحياة فقد ضيعت الفرص التي منحها الله إياك , ولكنه يعود ويلتمس ويتعهد أن يعمل صالحا فيقول لنفسه : ( قم وأخرج , لقد سمحنا لك هذه المرة بالعودة ! وإياك أن تعود إلى حفرتك وأنت خالي اليدين من الباقيات الصالحات ) . وهكذا يقوم خارجا من القبر مؤتزا كفنه وهو يشكر الله على منحه فرصة الحياة ونعمة العودة لإكتساب الحسنات .

أجل مثل هذا الرجل هل يعص الله تعالى ؟! هيهات هيهات ..

وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
من كتاب قصص وخواطر