ليلة البارحة كسر سريري...
وكان المتضرر الأكبر هو ظهري...
وبعدها عانيت الأمرين من أرقي...
وهذا ما دفعني للهذيان.. هنا....
..
..
..
..
أتيت إلى الحياة رغماً عني...كانت الديمقراطية هي الغائبة الوحيدة ساعة ولادتي
..
..
..
وعندما جاء اليوم السابع في حياتي... اختاروا لي اسماً حسب مزاجهم ورغبتهم
...
...
...
...
في السادسة من عمري جرني أبي من ثوبى ووضعني على ذلك المقعد
في الوحدة الصحية الواقعة خلف أسوار الذاكرة
وترك الفرصة لذلك الطبيب بأن يتفحص
كل ( سم ) من جسدي....
ثم طلب مني بعض الطلبات الغريبة وأمرني بإحضارها له في الغد...
....
....
وعندما جاء الغد كان الموعد مع سلسلة أخرى مع الفحوصات والتجارب المعملية
وبعد سويعات من وصولي .. قال لي الطبيب أعطني ظهرك... وطبع علي
عبارة ( صالح للحياة )..ودون توقيعه تحت تلك العبارة...
لا أعلم لم أكره ذلك الطبيب...
وهل للإبرة التي أهداني إياها دور في تأجج مشاعر الكراهية بيني وبينه ؟؟
لا أعلم...
.....
.....
عند باب المدرسة...
رأيت أبي يتوارى عن أفق الرؤية لدي...
ودخلت البوابة الكبيرة للمدرسة...
وكنت أجمع كل تركيزي لأحاول أن أحافظ على تلك النقود التي أودعت في ( مخباتي )
...
...
دلفت الفصل
واستقبلت بحفاوة كبيرة...
ومن فرط كرم الضيافة...
رأيت النقود وهي تسلب أمامي وأنا لا أملك بأن أستردها...
وأطالب بحقوقي...
وما أن أخذت مقعدي في أواخر الصف...
حتى أمرنا الوكيل بالقيام...
وقال لنا اتبعوا الأستاذ وسيم إلى الباص...
ولازموا طابور النظام ولا تحيدوا عنه....!!!
سرت مع الطابور على غير هدى
ركبت الباص على غير هدى
ويا للمصادفة كان جاري هو من سرق نقودي...
وقلت لنفسي يجب أن تتعايش مع عدوك في هذه الحياة !!!
...
...
وتوقفنا في أحد الأمكنة الغريبة...
وقالوا لنا أن هذه هي رحلة إلى حديقة الحيوان...
تجولنا رفقة الأستاذ وسيم وتعرفنا على عديد الأنواع من الحيوانات...
وعندما انتهت الرحلة أيقنت أن الحيوانات أذكى من الإنسان بكثير...
خصوصاً حيوانات الحديقة...
لأنها تهرب من السجن عندما يهمل الحارس إقفال القفص...
ولكن الإنسان يعيش في قفص الحياة ( المزعومة ) والباب مشرع أمامه...
ولكنه لا يفارق زنزانته وقفصه المذهب بالأحلام والآمال....
...
...
في الفصل...
دخل الأستاذ أبو عصا ...
قيام...
وعندما وقفت سألته ...
ما تلك بيمينك يا أستاذي...
قال هي عصاي...
التي تحافظ على انتظامكم...
وهي عصاي التي ترد كل من حاول...
الهرب من الصف والإبعاد عنه...
(وفجأة أحسست بأني تجاوزت الطفولة وأنه لا فرق بيني وبين الأستاذ)
إذن نحن خراف يا أستاذي...
نسير بانتظام كقطيع...
ولا نبالي إن كان أمامنا معسكر للذئاب...
أو منتجع يقدم أطايب البرسيم...
نخشى التمرد...
ولا نعطي لأنفسنا لحظة شجاعة لتقرير مصيرنا بأيدينا...
وكل هذا لأننا.. نخشى العصا يا أستاذ...
وبعدها أحسست بضربة موجعة في ظهري...
كانت كفيلة بإزالة جزء من عبارة صالح للحياة...!!!
....
....
....
....
....
الجمل...
هناك على السبورة علق الأستاذ صورة...
صورة لجمل من العصر العباسي...
وأقنعنا بأنه أسطورة...
وأسهب في حديثه وقال...
الجمل هو سفينة الصحراء...
يقطع مسافات طويلة ولا يكترث بالعواصف حوله...
يقطع مسافات طويلة ولا يبالي بشدة الحر وقسوة العطش...
وفوق هذا فو يمتلك سناماً يخزن فيه غذاءه..
الجمل يا أطفال هو حيوان اقتصادي... وهو من رموز الصبر في حياتنا....
ولكن عيبه الوحيد هو أنه حقود...
وأنهى حديثه بقوله هل من أسئلة يا أطفال...
رفعت يدي التي أيقنت أنها ضخمة مقارنة بأيدي زملائي...
يا أستاذي...
كلنا نمثل الجمل والإنسان يملك الكثير من صفات ( الشقيق الجمل )...
نجد أنه يقطع مسافات طويلة... من الصمت... ولا يحرك ساكناً لعواصف الظلم حوله...
يقطع مسافات طويلة من الكبت ولا يفكر مرة أن يثور وينفس عن واقعه المخزي...
والإنسان يا أستاذي لديه سنام يخزن فيه كل هذا الكبت والذل والقهر...
ولكنه لا يستفيد منه أبداً فهو يبقى حبيس السنام حتى الموت...
وفوق هذا كله نشترك مع الشقيق الجمل في أننا أهملنا حاسة التفكير لدينا...
وأصبحنا نسير وفق خطط رسمت لنا...
ووفق دساتير بالية لا نفع منها ولا خير...
ونشترك مع الشقيق الجمل في أننا نطيع ولا نعترض أبداً...
وهذه الطاعة.. نبررها دوما بأننا أجبرنا على هذا الوضع...
وليس بمقدورنا أن نغيره ؟؟؟
وقطع الأستاذ حديثي...
وأذاقني طعم العصا التي هوت على ظهري بكل لطف...
وأزالت عبارة ( صالح للحياة ) التي كانت تتربع على ظهري...
ولكن توقيع الدكتور بقي على حاله.....