لا زال المبتدأ الموصوف هذا( القصيدة النثرية ) يشكل جدليلة،بين العموديين والتفعيليين من جهة، وهي في الطرف الآخر، قصيدة ولدت وأبتْالوأد.
التفت أيها القارئ إليَّ!
ثمة تساؤل يطفو على صفحة قلمي يقول:
لماذا نرفض نحن- العرب- بروز لون أدبي؟
نرفض ونرفض،
في الوقت الذييهيئ غيرنا حفلاً ترحيبياً لذلك اللون، بربك احكم بين هذه الجدلية بيننا وأولئك!
بالطبع سيكون نصيبهم الأكبر، وحصتهم بالطبع هي الأوفى، لأنهم ببساطة القول، وضعوا ذلك اللون تحت المجهر، طوَّروا تفاعلهم معه، أجروا حواراً معه، نشرواصوره في الصحف والمجلات، بعد كل ذلك استطاعوا أن يدرجوا أسماءهم تحته علناً.
انظر بعين حوراء!
ماذا يقول شارل بودلير عن هذا اللون في رسالته التي وجهها إلى مدير تحرير مجلة \"الصحافة\" أرسين هوسييه:
صديقي العزيز!
أبعث إليك بعمل صغير يمكننا أن نقول من دون أي إجحافٍ:
لا رأس لهولا ذيل، بما أن كلَّ ما يحتوي عليه يُكوّن في الوقت ذاته، بالمناوبة وبالتبادل، رأساً وذيلاً.
أتوسَّلُ إليك أن تقدّر كم هي مريحةٌ وعلى نحو مدهش هذه التركيبة؛ لك ولي وللقارئ..
اِنزعْ فَقرةً، وسَرَعان ما سينضم وبكل سهولة جزء هذه الفانتازيا المتلوّية.
قطّعها أوصالاً عدة، ترَ أنّ لكلَّ وِصلةٍ وجوداً مستقلاً.
وعلى أمل أن تنبض بعض هذه الأوصال حياةً بما يكفي لتسلّيك وتُسرّكَ، فإنّي أسمح لنفسي بإهدائك الأفعى بأكملها..
مَن مِنّا لم يحلمْ، في أيّام الطموح، بمعجزةِ نثرٍ شعريّ، موسيقى من دونَ إيقاع أو قافيةٍ، فيه ما يكفي من المرونة والتقطّعِ حتّى يتكيّفَ مع حركاتِ النفس الغنائيّة، وتموّجات أحلام اليقظةِ، وانتفاضات الوعي.
وُلدَ هذا المثالُ المستبدُّ بالذهنِ، خصوصاً من الاختلاف إلى المدن الضّخمةِ ومن تقاطعِ علاقاتها التي لا تُحصى..
مع مودتي وإخلاصي
شارل بودلير
26آب 1862
شخل المقال:
• عمل لا رأسله ولا ذليل، لشمولية التكامل المقطعي.
• تفرز راحة قارئيها كعودالصندل.
• لديها القدرة على التبرع بإحدى كلاها، دون أيِّالتواء.
• خصائص الأفعى( راجع خصائص جسميتها علمياً )!
• معجزة نثرشعري.
• موسيقى لا تتوسل الإيقاع أو القافية(المعتادة
).
• التكيف مع حركات النفس الغنائية وتموجات أحلام اليقظة
.
• نتج هذا اللون تحت وطأةالحياة المتقدمة
.
(
بهذه النقاط يُعريف شارل بودلير القصيدة النثرية )
نعم،
تصدير إلى الآخرين بكل ثقة،
بعد أن أظلَِّ هذا الكاتب ذلك اللون(الأفعى)، وقف هو يستحم بين جنباته.
هكذا أيها القارئ الكريم،
تُحتضن الثقافة الواردة، لا بالتهميش والهجوم الصارخ، نريد وعي القبول لا عنجهية الرفض، نضع شروطنا على مهل- بعد القبول التكتيكي-، نرشد طريقة التفاعلعوض الرمي بالسهام من بعيد.
ماذا يقول الكاتب هنا؟
أقول:
هذا اللون الأدبي جاء ممتطراً من سحاب الحياة الجديدة، فكلما لمع بريق الحضارة ، أفرزتوبشكل أتوماتيكي أدواتها، لتستقرَّ قواها، أو تثبتُ حضاريتها،
والذي ينبغي، هو تصنيفها ضمن زميلتيها العمودية والتفعيلية، كألوانٍ ثلاثة، والخيار للمنتقي.
للقراءة، من نص ( الغرباء )
للشاعر محمد الماغوط سوريا
قبورنا معتمةٌ على الرابية
والليل يتساقط في الوادي
يسير بين الثلوج والخنادق
وأبي يعود قتيلاً على جواده الذهبي
ومن صدره الهزيل
ينتفض سعال الغابات
وحفيف العجلات المحطمة
والأنين التائه بين الصخور
ينشد أغنية جديدة للرجل الضائع
للأطفال الشقر والقطيع الميت على الضفة الحجرية
أيتها الجبال المكسوة بالثلوج والحجارة
أيها النهر الذي يرافق أبي في غربته
دعوني أنطفئ كشمعة أمام الريح
أتألم كالماء حول السفينة
فالألم يبسط جناحه الخائن
والموت المعلق في خاصرة الجواد
يلج صدري كنظرة الفتاة المراهقة
كأنين الهواء القارس .
قصيدة النثر هي قصيدة تتميز بواحدة أو أكثر من خصائص الشعر الغنائي، غير أنها تعرض في المطبوعات على هيئة النثر وهي تختلف عن الشعر النثري بقصرها وبما فيها من تركيز. وتختلف عن الشعر الحر بأنها لا تهتم بنظام المتواليات البيتية. وعن فقرة النثر بأنها ذات إيقاع ومؤثرات صوتية أوضح مما يظهر في النثر مصادفة واتفاقاً من غير غرض. وهي أغنى بالصور وأكثر عناية بجمالية العبارة، وقد تكون القصيدة من حيث الطول مساوية للقصيدة الغنائية لكنها على الأرجح لا تتجاوز ذلك وإلا احتسبت في النثر الشعري.
تذهب سوزان برنار إلى أنَّ قصيدة النثر هي: «قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور...خلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية».
لقصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية، والتي تعتمد على الألفاظ وتتابعها، والصور وتكاملها، والحالة العامة للقصيدة.
وكما يقول أنسي الحاج -أحد أهم شعراء قصيدة النثر العربية إن لم يكن أهمهم- عن شروط قصيدة النثر: «لتكون قصيدة النثر قصيدة حقاً لا قطعة نثر فنية، أو محملة بالشعر، شروط ثلاثة: الايجاز والتوهج والمجانية»
المصدر
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
مع تحياتي