المالكي وحتمية الجوار
لا ادري ان كان المالكي يستطيع ان يغيرمن سياسات وايديولوجيات دول الجوار العراقي الستة ، ويزحزح من استحكام ذلك القدر العنيد المسمى(الجغرافيا) وماتكتنزه من تراكمات تاريخية انتظمت فيها حروب وصراعات طاحنة واخلاقيات العداء والنزاعات مابين الجيران.
ولا ادري ان كان يستطيع ان يستنهض وجدانيات وقيم افضلية الجار على غيره حسب ماجاءت به الاعراف الانسانية.
العراق وما تحكمه حتمية الجوار عليه من استعداده الدائم لمواجهة التنافسات الاقليمية للاستحواذ عليه وفرض اجنداتها السياسية والمذهبية اعطته درسا قاسيا دمويا بالغ الاهمية مفاده ضرورة استيعاب منطق الجغرافيا والاحتكام الى سيرورة الجوار حتى مع اعدائه منها وضرورة التصالح معها عبر تشذيب تصادماتها وتغييرها بمنظومات لمصالح مشتركة اقتصادية وامنية تكون بمثابة المطرقة التي تدك نتوءات الصراعات التاريخية بكل اشكالها وتنوعاتها واسبابها.
جغرافيا العراق الممتدة من اقصى الجنوب الشرقي الى اقصى الشمال الشرقي بمساحة(1200) كم تتداخل بشكل كبير فيها مع الجانب الايراني عبر مدن وقرى مأهولة بالسكان حتى لا يكاد يفصل بينهما من حدود طبيعية الا الشيء القليل ،فضلا عن التقاسم المشترك للثروات الواقعة على حدود الطرفين ،هي الاكثر جدارة باهتمام العراق باعتبار تحكمها الجغرافي بين الدولتين ولا مهرب منها الا اليها.
ايران التي ترى في العراق امتدادا تاريخيا لها ومجالا حيويا لسياساتها وتحقيق احلامها الكبرى ونقطة العبور التي تصلها بخط التماس مع اسرائيل ،تحاول جاهدة اضعاف الدور العراقي واحتوائه احتواءا وقائيا تبعد من خلاله منطق الخوف والترقب من صراعات محتملة تدخل الدول الكبرى طرفا فيها.كما انها تعمل على ان تكون اللاعب الاقليمي الاول في المنطقة ويكون لها الدور الرئيس في صياغة شرق اوسطي جديد حسب الخارطة السياسية الايرانية مما يؤمن لها استمرار ايديولوجياتها السياسية واستقرارها الديمغرافي.
اما تركيا ثاني دول جوار العراق والممتدة شمالا بمساحة 90 كم هي الاكثر تعقيدا بعلاقاتها مع العراق ،فهي لا تختلف عن جاره الاول في رؤيتها التاريخية للعراق وما احدثته الحرب العالمية الاولى من تغيير لخريطة امبراطوريتها من اقتطاع الموصل وحصر القومية التركمانية بين العرب والكرد . تركيا التي تبرر تدخلها بالشان العراقي بحجة حماية القومية التركمانية في كركوك تخفي خلف ذلك خوفها الدائم من نزعات الانفصال الكردي وسعيهم الى الاستقلال ،فضلا عن خوفها من الامتداد الايراني (الفارسي) باعتبار العراق (عثمانيا) باثر رجعي ،وهذا ماتدفع به الادارة الاميركية من اعطاء تركيا دورا كبيرا موازيا للنفوذ الايراني في العراق ،ومانلحظه من سعي تركيا فتح قنصليات لها في الجنوب العراقي يؤكد ذلك.
امام هذين الجارين يقف جار ثالث عنيد هو السعودية العربية التي اخافها وصول شيعة العراق الى كرسي الحكم معتبرة ذلك انزياحا سياسيا في السياقات التاريخية باعتبار ان المنطقة العربية محكومة سنيا وبشكل تقليدي مما اثار حفيظتها من توسع النفوذ الايراني (الشيعي)في العالم العربي مذهبيا على حساب المذهب السني الحاكم رغم تاكيد شيعة العراق على تمسكهم بعروبتهم وانتمائهم القومي .
السعودية التي يفصلها عن العرا ق صحراء شاسعة قاحلة اسست لثقافة مذهبية في العراق الجديد مستفيدة من امكانياتها المالية العالية وعلاقاتها الاستراتيجية مع بعض دول الجوار العربية منها والدولية ،فاستغلت علاقاتها مع السفير الاميركي السابق في العراق خليل زاد ونائب الرئيس الاميركي دتشيني وبندر ال سعود من تشكيل خلية مصغرة مهمتها تضيق الخناق على شيعة العراق ودفع الاحزاب السنية الى اعلى السلطة عبر دعم هذه الاحزاب والمجاميع المسلحة التابعة لها والتي شكلت ظاهرة مسلحة ارهابية استطاعت زعزعة الامن والسلم الاهلي العراقي .
ان تدافع المصالح السعودية الايرانية حول الدور الاقليمي جعل العراق ساحة صراع راح ضحيته الالاف العراقيين الابرياء واخر من بناء الدولة العراقية .
اما الكويت وهي اصغر دول الجوار من حيث المساحة للعراق نراها حاضرة في كل تاريخه السياسي وبشكل تكاد تكون اللاعب الاساس في استقراره وعدمه . فالكويت بوابة العراق على الخليج ورئته العربية الا ان التاريخ المتازم بين الجارين جعلها الاكثر تخوفا من بين جيرانه من تنامي قوة العراق خشية العودة بها الى سجلات الماضي واقرارات التاريخ .
وبالنسبة للجاريين الاخرين سوريا والاردن ،فالنزعة القومية السورية ومتبنيات حزب البعث الفكرية والسلوكية هي من تحكم علاقاتها مع العراق . اما الاردن المستفيدة اقتصاديا من نظام صدام حسين البائد والمطالبه تاريخيا بثار الملك فيصل الاول الذي قتله الجمهوريون لا تخفي هي ايضا خوفها من هلال شيعي نبه اليه العاهل الاردني في اكثر من حديث وتصريح صحفي .
وهنا يظهر لنا اكثر من مدلول وامر وتقدير لا رادات هذه الدول الجارة والسعي لفرض اراداتها عبر حتمية الحدود القريبة والمتداخلة مع العراق .
المالكي الذي انتبه الى ان اخلاقيات الدول واعرافها تختلف عن اخلاقيات واعراف الافراد الجيران عمل وحكومته على تغيير هذه الاقرارات التاريخية وجهد من اجل خلق علاقات تقوم على حسن الجوار واحترام الاخر وعدم التدخل في شؤؤنه الداخلية ،الا انه لازال مطالبا بالقيام باجراءات اخرى ،منها:
1- استبدال منطق الخوف بمنطق الاستقرار والامن بخلق مبادرة لاقامة نظام اقليمي يجمع دول الخليج السعودية والكويت مع سوريا والاردن وتركيا وايران والعراق ،وصياغة مسودة لذلك النظام الاقليمي وفتح حوارات مباشرة ومستمرة مع هذه الدول لتحويل المسودة الى واقع ومظلة امنية بوصلتها المصالح المشتركة بين الجيران .
2- القيام بحملة دبلوماسية دولية هدفها حث هذه الدول على دعم الحكومة العراقية وعدم التدخل بشؤونه الداخلية والدخول في النظام الاقليمي .
3- ايجاد تواصل ثقافي واعلامي مع جميع النخب الشرائح الثقافية في دول الجوار من اجل حشد راي عام ضاغط باتجاه الوصول الى تحقيق النظام الاقليمي .
4- خلق صيغة للتبادل الاقتصادي والاستثماري من اجل تكوين قاعدة عريضة من المصالح المشتركة .
ان ماسقناه من حديث هو بمثابة خطوة استباقية للحكومة العراقية قبل انتهاء عام 2008 والمتوقع فيه ان يكون اخر موعد لفترة تجديد بقاء القوات متعددة الجنسيات في العراق خشية حدوث فراغ امني يضطر كل من ايرن وتركيا والسعودية الى الدخول عسكريا في العراق بشكل مباشر .