أقفرَتْ السُّوحْ‏
الخوفُ كتابٌ مفتوحْ‏
لا ظلٌّ يأتي‏
لا ظلَّ يروحْ‏
وتلبَّسَ وجهُ الذَّابحِ وجهَ المذبوحْ‏
من أيِّ جراحِ الأرضِ ستشربُ يا عطَشي؟!ّ‏
كيف تأتي القصيده؟‏
ومن أين تملكُ أنتَ الظَّما‏
المحاصرُ حَدَّ العَمى‏
أن تجيءَ برؤيا جديده؟!‏
كان جرحُكَ فيما مضى زاخراً بالدِّماءْ‏
كنتَ تكتبُ والكبرياءْ‏
فيضُ دَمْ‏
يتفجَّرُ ملءَ القلَمْ‏
ياه..‏
كم بائساً, موجِعاً يصبح الشِّعرُ إذ يغتدي‏
محضَ صوتٍ وفَمْ!‏
تستفزُّ الألَمْ‏
تستفزُّ القيَمْ‏
ثمَّ إذ تتوقَّفُ ما بين سطرٍ وسطرٍ‏
تحسُّ الخواءْ‏
وتحسُّ النَّدمْ‏
وتحسُّ بأنّك ندّابةٌ توقظُ الهًّمْ‏
لا تستثيرُ الهمَمْ!‏
كيف تأتي القصيده؟‏
كان لي وطنٌ‏
منذُ خمسين عاماً أُغنّي لهُ‏
راجفاً تحت رايتِهِ في المطَرْ‏
حدَّ قلبي انفطَرْ:‏
"عشْ هكذا في علوٍّ.." وأشعرُ دمعي انهمَرْ‏
فأغالطُهُ بالمطرْ!‏
مَن يُعلِّمُ أولادَنا اليوم أن يُنشدوا لمواطنهم؟؟‏
أن يقولوا لها, رغمَ كلِّ الأسى‏
جرحُنا ما رَسا‏
في شواطىءِ غيرِكِ مهما قسا‏
وجعُ الأرذلينْ؟..‏
من يعلّمهم مثلَ هذا الحنينْ؟‏
فينادونها بالهوى‏
والجوى‏
لا ينادونها بالأنين؟!‏
من يعلّم أولادنا‏
أن يكونوا لأوطانهم عاشقينْ؟!‏
أسطُري لا تَبينْ‏
ورؤايَ شتاتٌ موزَّعةٌ‏
بين شكّي بها واليقينْ‏
فكيف تجيءُ القصيده؟‏
ألكِي نكتبُ الشِّعرَ يا وطني‏
نتعمَّدُ إيقاظَ أوجاعِنا من مَكامِنِها؟‏
كلَّما جرحُ آمِنِها‏
فَزَّ,‏
صار لشعرٍ ذريعَهْ؟‏
أفَما عادَ للشِّعر في أرضنا‏
غيرُ صوتِ الفجيعه؟!‏
أم نظلُّ نكابرُ يا وطني‏
بالذِّما‏
والدِّما‏
والقلوب الصَّديعه‏
فاطمين على الشِّعرِ أطفالَنا‏
في الليالي المُريعه؟‏
أفليسَ لنا فرحٌ كي نبيعه؟!‏
لسبعِ سنينٍ نغالبُ أوجاعَنا‏
ونروّعُ بالصَّبر مَن راعَنا‏
ونهدّدُهُ بالقصائدْ‏
ونهدّدُهُ بالأغاني‏
ثمّ نأوي إلى دورِنا‏
لندثِّرَ أطفالنا بالأماني!‏
وأي..‏
وحياتِكَ يا وطني‏
نستميتُ إلى حدِّ نُجفِلُ من هَولِ جرأتِنا‏
فيُثبّتُنا أنَّ غيظَكَ أجرا‏
ويُثبِّتُنا أنَّ جرحَكَ أضرى‏
ويُثبّتنا أنّنا بالذي فعلوا بك يا وطنَ الحبِّ‏
أدرى‏
يا ترابَ الحسينْ‏
نحن عوَّدَنا كلُّ تأريخنا‏
أن يكون بأعناقِنا الموتُ دَينْ‏
ما جرى الماءُ في الرافدَينْ!‏
ولأولادِنا فوْقَ هذا‏
مروءتُنا‏
ونبوءتُنا‏
أنّ آخرَ شمسٍ ستُشرقُ من أرضِ بابلْ‏
بعدَها يُرفَعُ الملكوتْ‏
فإذا استُشهِدوا‏
فكما يَعتلي النَّسرُ قمَّتَهُ ليموتْ‏
لا كما تفطسُ العنكبوتْ!‏
ولهذا استتَبُّوا‏
أنَّهم بدءُ كلِّ البدايات‏
ونهايةُ كلِّ النهايات‏
ومن بعَدِهم‏
سوف تُقفرُ كلُّ البيوتْ!‏
ولذا سأقولُ, وللمرَّةِ الألف,‏
والسَّنةِ السابعه‏
بَعدَنا تقَعُ الواقعه‏
ما لها عن منازلكم دافَعه‏
وستُقلَعُ حتّى محاجرُها‏
هذه الأمَّةُ الضائعه!‏
سأقول بأنّا صَبَرنا إلى حَدِّ ضجَّ الصَّبرُ‏
واجتازَ صحراءه الشاسعه!‏
وأقولُ بَنَينا‏
أقولُ وَفَينا‏
وأجَلْ.. قد فَعَلنا‏
ولكنّني أتلَفَّتُ حولي‏
فأُبصرُ ملءَ المدى ألفَ عينٍ على خدِّها‏
دامعه!‏
أيُّها العَرَبُ اللايَعونْ‏
بأنَّ المَنونْ‏
تترصَّدُهم واحداً واحداً‏
في ديارهم الخانعه!‏
وسأبقى أسائلُ:‏
من أين تأتي القصيده؟‏
من فجيعتنا في فلسطين؟‏
أم من تَشَتُّتِنا في البلاد البعيده؟‏
ولَعَمرُكَ ما ضقتَ يا وطني‏
بل نفوسُ الرِّجالِ وأخلاقُهُم ضِقْنَ‏
حتّى غدَونا نُفِّشُ عن أيِّما سببٍ‏
لِنَفرَّ إلى أيِّ أرضٍ جديده‏
يا بلادي التي أصبحتْ‏
وهي بين بَنيها‏
وحيده..!‏
هل أوصَلْنا صرخَتَنا يا وطني؟؟‏
هل أتقَنّا أن نُعلنَ من أجلِكَ‏
نصفَ الغضبِ الأعلَنّاهُ صغاراً‏
من أجل جميعِ شعوبِ الأرض المقهوره؟؟‏
أتغَيَّرت الصُّوره؟‏
أم نحن تغَيَّرنا يا وطني؟‏
كنّا نهتفُ ملءَ حناجِرِنا لفيتنام.. لكوريّا.. كوبا‏
لشعوب الهند الصينيَّةِ‏
للسُّودِ المظلومين‏
حل أحسَنّا أن نصرخَ نفسَ الصَّرخةِ‏
من أجل فلسطين؟!‏
هل نادَينا الشعبَ الليبيَّ كما نادَينا شعب الصِّين؟؟‏
ولا,‏
لن أقول العراقْ‏
لأنَّ جريمتَهُ لا تطاقْ..!‏
لأنَّ يدَ العالمِ الآن مغلولةٌ‏
صرخةَ الحقِّ مشلولةٌ‏
ولذا,‏
فالعراقُ مُدانٌ على دمِهِ الآن بالأتِّفاقْ!‏
حسَناً‏
ستُقايضُ أمريكا دمَنا بالنّفطِ‏
ولن تنجحْ‏
وتُقايض عزَّتَنا وكرامتَنا بالخبزِ‏
ولن نَسمحْ‏
وسنرفضُ يا عنوانَ كرامتِنا‏
أن تُوطأ, أو تُجرَحْ‏
يا علَماً لن نُسْلمَهُ للرّيحِ‏
ولو كلُّ عراقيٍّ يُذبَحْ!‏
وسأفهمُ أن يظلمَنا الأغرابْ‏
وسأفهمُ أن توصَدَ في أوجُهنا الأبوابْ‏
أن نؤكلَ‏
ما دامت للعالمِ أنيابْ‏
وشريعةُ غاب‏
حتّى هذا سأحاولُ أن أفهمَهُ‏
لكنْ لن أفهمَ أن يُصبحَ أوَّلَ من يأكُلنا‏
إخَوتُنا الأعراب..!‏