نصيحة كركور بن عبد الملك بن مروان


انتقد السفير الاميركي في بغداد رايان كروكر «صولة الفرسان» التي قام بها رئيس الوزراء نوري المالكي متهما اياه بالاستعجال في خوض معركة لم يكن مستعدا لها. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز فان السفير انتقد الطريقة التي ادار بها المالكي معركة البصرة في وقت لم تكن فيه القوات الاميركية مستعدة للمشاركة في العملية. وفي اشارة منه الى حادثة محاصرة المالكي في القصور الرئاسية في البصرة من قبل جيش المهدي الذي كاد يفتك به وبمستشاريه لولا تدخل القوات الاميركية والبريطانية بعد ان طلب المالكي النجدة منها، وهي لم تكن متهيئة لذلك الا بعد إلحاح شديد.
وحسب اقوال كروكر للصحيفة فان المالكي لم يبلّغ القوات الاميركية بقرار تحركه في البصرة الا قبل 24 ساعة تعرضت فيها قواته لنكسة ميدانية تم تداركها بقوات جوية قامت طائراتها بقصف مواقع جيش المهدي وايقاع افدح الخسائر فيه وتقليص اندفاعه الى اقصى حدود ممكنة بعيدا من قوات المالكي التي تعرضت للشتات والتمزق.
ونقلت الصحيفة عن كروكر قوله ان واشنطن كانت تتوقع شن عملية طويلة الامد وباستعدادات جيدة وفي توقيت صحيح ضد الجماعات الموالية لايران، غير ان الرياح جرت بما لا تشتهي السفن (حسب تعبيره)، وفي ذلك انتقاد واضح لتوقيت المعركة التي بدأها المالكي على عجالة، وكان يمكن ان تؤتي ثمارها بشكل افضل ومغاير لما حصل.
ومصادر مطلعة قالت لـ «القبس» ان انتقاد التوقيت والعجالة التي اتسمت بها صولة المالكي من قبل اقرب حلفائه الاميركيين هو رأي صحيح، وهو نفس الموقف لغرفة العمليات التي يشرف عليها الفريق موحان حافظ وقائد الشرطة عبد الجليل خلف، فقد اقترحت قيادة العمليات على المالكي ان تبدأ المعركة مع الميليشيات في يوليو القادم، حيث تكتمل بعض الاستعدادات والامكانيات الخاصة بذلك، مثل استكمال القوات والتدريب اللازم لها وتوفير بعض الاسلحة الضرورية. غير ان المالكي فاجأ الجميع ببدء المعركة في وقت كانت قواته بحاجة الى مدافع الهاون التي كانت تملكها الميليشيات بكثافة، ورفض توفيرها على عجالة من السوق السوداء.
وحسب مسؤولين وضباط اميركيين نقلت عنهم «نيويورك تايمز» ان المالكي بالغ كثيرا في تقدير امكانيات قواته واستخف بالمقابل بقدرات الميليشيات، مما ورط الرئيس بوش بتصريحات سايرت تلك المبالغة، غير ان وزير الدفاع العراقي اعترف بعد خراب البصرة انهم لم يضعوا في الحسبان القدرات الهائلة لدى الميليشيات، مما يؤكد الحاجة الى استعدادات كافية مقابلة لها وعدم الاستعجال.
وهذه اشارة الى تفكك الكثير من قوات الجيش والشرطة التي صال بها المالكي في البصرة والتي التحق قسم منها بميليشيات جيش المهدي، وهرب القسم الاخر، ولم يبق مع المالكي غير القليل مثل القوات الخاصة او ما يسمى بفرقة مكافحة الارهاب التي يقودها طالب بغيث، وهي قوات اقتحامية ملثمة تفتك بالمعارضين على غرار «فدائيي صدام» يعتمد عليها المالكي في مداهمة اوكار الميليشيات.
ووفقا لقائد عسكري بريطاني لم تذكر اسمه «نيويورك تايمز» فان المالكي لم يشرك القوات البريطانية في الاعداد والتخطيط لعملياته، وقد يكون ذلك لعدم ثقته بها، لكن وضعه الحرج بعد يومين تطلب منه الاستعانة بهذه القوات.
وقال السفير الاميركي انه سبق ان حث المالكي على استخدام اقوى اسلحته، وهو «المال» وكان على رئيس الوزراء ان يدفع اموالا لعشائر المحافظة من اجل تمويل مجالس الصحوة، على حد قوله.
ويبدو ان كروكر استمد نصيحته من التاريخ العراقي حين يذكر عن عبد الملك بن مروان قوله في معرض حديثه عن بسط نفوذه في العراق وبناء دولته فيها يوم قال: ان الدول تبنى بالمال والرجال.
واذا كان المالكي قد تأخر بعض الوقت بالاخذ بنصيحة كروكر عن عبد الملك بن مروان، فانه لم يهمل هذه النصيحة، وقد بدأ فعلا بدفع الاموال وتمويل مجالس (صحوة) شيعية من عشائر البصرة والوسط والجنوب لمقاتلة المتطرفين من شيعته.
غير ان مشهد البصرة والجنوب اليوم يؤكد ان لا شيء تغير كثيرا في المشهد قبل صولة المالكي، وما زالت الميليشيات قائمة تحتفظ بسلاحها، ويبدو ان الوساطة الايرانية انهت النزاع من دون ان تجعل احد الطرفين الشيعيين غالبا او مغلوبا لكي تظل طهران عرابة الفرسان في العراق تمسك بأعنة خيولهم جميعاً.


المقالة الى الاستاذ زهير الدجيلي المحترم
لكن تم تغير اسم المقالة