الحمد لله كثيرا والصلاة والسلام على الهادي بشيرا ونذيرا وبعد (إصلاح ذات البيْن وسلامة الصدر) هذا امر عظيم جاءت الشريعة المطهرة بالأمر بهما، والحث عليهما ؛ أنْ يكون صدرك على أخيك سليماً، ليس فيه غلّ، ولا حقد ، ولا حسد
لقد أثنى الله بسبب سلامة الصدور على أهل المدينة الأنصار، ومجّدهم لاتّصافهم به، في قرآنٍ يُتلى إلى يوم القيامة، يقول سبحانه: { والذين تبوؤا الدَّارَ والإيمانَ من قبلهم يُحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويُؤْثرون على أنْفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يُوقَ شُحّ نفسه فأولئك هم المفلحون }.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: » ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصَّدقة. قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البيْن؛ وفساد ذات البيْن الحالقة« .
-ويُروى أنه صلى الله عليه وسلّم قال: » هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدِّين« .
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: » إياكم وسوء ذات البيْن؛ فإنها الحالقة« . أخرجه الترمذي.
وعن عبادة بن عمير بن عوف قال: قال لي أبو أيوب رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
» يا أبا أيوب، ألا أدلك على صدقة يحبُّها ورسوله؛ تصلح بين الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا« . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.
عن سعيد بن أنس ، عن أنس ، قال : « بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه (1) فقال عمر : ما أضحكك يا رسول الله ؟ بأبي أنت وأمي قال : رجلان من أمتي جثيا (2) بين يدي رب العزة عز وجل فقال أحدهما : يا رب ، خذ لي مظلمتي من أخي قال الله عز وجل : أعط أخاك مظلمته فيقول : يا رب ، لم يبق من حسناتي شيء قال : يا رب ، فليحمل عني من أوزاري ففاضت عين النبي صلى الله عليه وسلم بالبكاء ، ثم قال : إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم قال : فيقول الله عز وجل للمطالب : ارفع رأسك فانظر إلى الجنان ، فرفع رأسه فقال : يا رب ، أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا ؟ لأي صديق هذا ؟ لأي شهيد هذا ؟ قال الله هذا لمن أعطاني الثمن قال : يا رب فمن يملك ذلك ؟ قال : أنت تملكه ، قال : بماذا يا رب ؟ قال : بعفوك عن أخيك قال : يا رب ، قد عفوت عنه قال الله عز وجل : خذ بيد أخيك فادخل الجنة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ؛ فإن الله عز وجل يصلح بين المؤمنين يوم القيامة »
__________
(1) الثنايا : الأسنان الأربع في مقدم الفم اثنان من أسفل واثنان من أعلى
(2) الجثو : جلوس المرء على ركبتيه والمراد إظهار الانكسار والخضوع