جنوح الأحداث بين الأسباب والنتائج
![]()
شهد المجتمع العراقي ارتفاعا واضحا لوتيرة الإجرام بشكل عام بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 وانيهار مؤسسات الدولة بما فيها الجهات ذات العلاقة المسؤولة عن حماية الأمن العام ومكافحة الجريمة وقد رافق هذه الزيادة الملحوظة لإشكال وأنواع الجرائم الإخفاق الشامل للحكومات المتعاقبة وتحديدا بعد عام 2005 في كيفية إدارة شؤون السلطة والحكم كونها تبنت المشروع الطائفي وهيأت له المؤسسات العسكرية والأمنية لحمايته بمعزل عن امن الشعب وشؤون حياته المتردية مما أدى ذلك إلى شيوع العناصر الفوضوية وفسادها وطغيانها على الحياة العامة وإقحام الأحداث داخل دائرة الصراع من اجل البقاء بعد ان انخرطوا في فصائل الميليشيات الطائفية للمذاهب كافة التي أقدمت على ارتكاب الجريمة بتوجيه وأمر من رجال الدين المجتهدين في ابتكار وسائل القتل والتهجير ألقسري والانتقام لمسوغات طائفية ومذهبية قد عفا عنها الزمن دون مراعاة لحرمة الدين ومذاهبه الجليلة التي تحرم مثل هكذا جرائم كما ان تردي الأوضاع الاقتصادية أسهم في عديد العاطلين عن العمل مما انعكس سلبا على الوضع ألمعاشي للعائلة العراقية إضافة إلى ضعف أداء النخب الحاكمة وأجهزتها الأمنية والقضائية نتيجة انغماسها بالحراك السياسي والطائفي مع الخصوم كل هذه المسببات مجتمعة تقف على رأس الأسباب التي أدت إلى جنوح الأحداث. ان انحراف الحدث وجنوحه يخضع إلى أسباب أخرى متنوعة ومتعددة منها تفكك الأواصر الأسرية النابعة عن جهل أو خلافات عقيمة بين الزوجين أو انعدام الثوابت الإيمانية الرصينة لديهما .إنني أرى ضرورة تحصين البنوة في الفئات العمرية خلال السنوات الست الأولى لان الطبيعة التكوينية للإنسان تبدأ من هذه المراحل وتنمو مع الزمن حسب المناهج التربوية المتبعة لدى الأسرة والهيئات التعليمية الحكومية ، لان عقل الطفل يولد على شكل صحيفة بيضاء يبدأ بالتقاط الظواهر والحركات في السنتين الأولية ويقلد الأم بذلك ، ففي السنوات اللاحقة تنضج وتنمو الخلايا العقلية والحسية لديه حال تعلمه المحادثة والمناطقة ، فكلما كانت الأم يقظة ومتفتحة باعتبارها المصدر الأول في تغذية هذه الصحيفة التي تسجل كالنقر على الحجر فهي المسؤولة على تعليم البنوة داخل الأسرة عن القيم الدينية وأحكامها المعتدلة وكيفية التفريق بين الحلال والحرام ومخافة الله سبحانه وماهية صدق القول والوفاء بالعهد والوعد والأمانة واحترام الجار وعدم الإساءة للآخرين قولا وفعلا وإطاعة الوالدين وأداء الفرائض الإيمانية بصيغتها المتوازنة هذه البعض من أسس المتانة في شخصية الطفل وتحصينها من المتعارضات معها حال التجانس مع اقرأنه بعد انتهاء نلك الفترة ، شريطة مساهمة الأب في هذا البناء الرصين من خلال إمكانياته وقدرته على بناء الشخصية وان لا يكون ضعيفا ومهزوزا عند اتخاذه القرار الأسري حتى وان كان غير متعلم في حقول العلوم المعرفية لان التعاليم الدينية ومفاهيمها التربوية ميسورة ومتداولة بين الناس كافة ويدركها الجميع دون عناء بعيدا عن التعقيد والتطرف أو التشديد في تطبيقاتها العملية لان الديانات عموما دعت إلى التسامح وعدم المغالاة في فهم أحكامها الإلهية ، فالمسؤولية مشتركة بين الأبوين ؟ أما الجوانب الأخرى التي تدفع إلى الجنوح ترتبط بشكل مباشر مع المناهج والبرامج والإبعاد التنموية الإستراتيجية للجهات الرسمية في المدارس والأخذ بنظرية الإحلال والبديل بين الأبوين والتدريسيين والتركيز على الرؤى الموضوعية الأنفة وعدم التفريط بها لكون ان الطفل جاء محصنا من الأسرة وبالتأكيد سوف يكون قدوة لأقرانه ممن لم تتاح لهم الفرصة ذاتها بتلقي تلك المثل الخلاقة . ان السلطات والجهات الحكومية التي ترعى الأحداث لا زالت مغيبة أدوارها وتوجيهاتها العلمية وان مهامها محصورة بمعالجة النتائج على وفق القوانين الخاصة بالإحداث المصابة بالشلل والسكوت المطبق عن عمالة الأطفال في الأعمال المضنية والصعبة، أنني أرى ان معالجة النتائج هي أنصاف حلول ليس في قضايا الأحداث فقط وإنما لمجمل الجرائم الجنائية المنظمة منها أو العشوائية لان الحكمة العقلانية الموظفة توظيفا صحيحا توجب معالجة الأسباب أولا دون اللجوء إلى القوانين العقابية الصارمة وهذه من واجبات الحكومة التي ترعا مواطنيها وتحترم إرادة شعبها . ان تجارب معالجة النتائج قد أثبتت إخفاقها وعدم صوابها وحتى عقمها في المحصلة النهائية، والدليل ما تشهده المحاكم الجزائية من محاكمات للإحداث تكاد ان تكون كارثة حقيقية للمجتمع العراقي؟