في الذكرى الخامسة للحرب:
صنعنا أخطاءً في العراق لكن قرار الحرب كان صائباً

»ديلي تيليغراف«ـ بقلم: ريتشارد بيرل، عضو معهد المشروع الأمريكي في واشنطن


لا شك ان مرور خمس سنوات يعتبر فترة طويلة جدا بالنسبة لحكومة تخوض حربا لا تحظى بالتأييد الشعبي، غير ان هذه الفترة تبقى بنظر التاريخ مجرد لحظة في مسيرة احداثه بحيث يصعب الحكم عليها سريعا أو اخضاعها لدراسة متوازنة فورا.
بيد ان القضاة ودوائر المحاسبة لا يسعهم الانتظار، لذا كان لا بد ان تجدد الذكرى السنوية الخامسة لغزو العراق الحوار والمناقشات حول هذا الغزو وعواقبه وهو حوار تهيمن عليه مسألة التكاليف دون وجود تقييم يذكر للمكاسب.
بالطبع التكاليف باهظة على نحو مؤلم فهي تتمثل في: موت آلاف من الناس، نفقات مالية مرهقة، استنكار سياسي وديبلوماسي واسع النطاق وتردد في استخدام القوة في صراعات المستقبل التي يمكن للتدخل فيها ان يحول دون وقوع اعمال قتل وابادة جماعية اخرى.
غير ان هناك بعض الفوائد ايضا أخذ جزء منها يبرز الآن، وتحتاج بقية الاجزاء الاخرى للوقت لكي تظهر وتصبح ملموسة.
وأول المكاسب الفورية هو بالطبع القضاء على نظام صدام، المسؤول عن حربين أزهقتا ارواح اكثر من مليون انسان بالاضافة لتعامله ولعقود مع مجموعات الارهاب، ومكافأة اهالي الانتحاريين في الاراضي الفلسطينية بمبالغ مالية، وهذا عدا عن رفضه الكشف عن ما لديه من اسلحة كيميائية وبيولوجية.
لذا، كان صدام هو من فرض علينا السؤال التالي: هل نجازف وندعه في مكانه بأمل أن يصبح افضل أم ندمر نظامه ونزيل خطرا ان يتعاون مع عناصر اخرى لشن هجوم ما ربما يكون أشد تدميرا مما حصل في 9/11؟
اعتقد ان القرار الذي تم اتخاذه كان صحيحا، فقد سقطت بغداد في 21 يوما دون وقوع خسائر كبيرة في كلا الجانبين.
وتحرر 25 مليون عراقي، وزال تهديد صدام، ولم يعد هناك اسلحة قتل شامل يمكن ان يتم تقاسمها مع الارهابيين، وبينما كانت استخبارات العالم مخطئة في تقديرها لما يمتلكه صدام من مثل هذه الاسلحة، لم يعد هناك مجال الآن لاستئناف انتاجها، كما وفر اكتشاف مقابر جماعية، ضمت حوالي 300 الف جثة من ضحايا نظام صدام، مبررا اخلاقيا اضافيا للحرب.
إذاً أين الخطأ؟
اعتقد ان هناك خطأ اولي واحد تفرعت عنه سلسلة من الاخطاء الاخرى، وهو فشل الامريكيين في تسليم العراق للعراقيين يوم سقوط بغداد، اذ كان يتعين ان تبقى قوات التآلف في العراق بموجب اتفاق مع حكومة عراقية مؤقتة، غير اننا حولنا لسوء الحظ تحرير العراق الى احتلال بغيض مما عجل وسهل بروز عصيان دموي رهيب بدأنا نتخلص نحن والعراقيون منه الآن فقط.
فمن خلال ثقة في غير محلها أو على الاصح عجرفة وتكبرا بأننا افضل من العراقيين علما في معرفة بناء بلدهم القائم على انقاض ديكتاتورية استمرت ثلاثة عقود، أوكلنا لأمريكي واحد مهمة حمقاء لحكم العراق من واشنطن.
لكن لا بد من الاشارة هنا الى ان خطط انشاء ادارة عراقية مؤقتة لتبدأ عملية اعادة الاعمار اثناء التحضير لعقد الانتخابات، حظيت بالكثير من المناقشات الحامية، وجاء معظم التأييد لها من وزارة الدفاع الامريكية التي كانت قد اخذت بفكرة العمل بشكل وثيق مع خصوم صدام حتى قبل الحرب، الا ان وزارة الخارجية الامريكية والاستخبارات المركزية عارضتا ذلك التعاون بشدة بالقول ان العراقيين الذين كانوا في العراق عند بدء الحرب هم فقط من سيقوم بمهمة ممارسة الحكم المؤقت، غير ان المشكلة ظهرت عندما تبين ان معظم خصوم صدام في العراق كانوا قد ماتوا.
هنا اود الاشارة الى نقطة مهمة، فعندما كان الخلاف يتعمق بين وزارات واجهزة الدولة، كان مجلس الامن القومي في الولايات المتحدة يحاول ايجاد نوع ما من الاجماع، واذا فشل في ذلك، يقوم الرئيس عندئذ باتخاذ القرار في المسائل المهمة.
هكذا كانت تسير الامور في عهد ادارة الرئيس رونالد ريغان التي عملت بها، لكن من الملاحظ في الحالة العراقية ان الخلاف الامريكي الداخلي ادى الى تأجيل القرارات وعدم الحسم لدرجة اقتربت احيانا من الشلل، وبدا واضحا ان الرئيس لم يعد قادرا على قيادة ما اصبح ادارة منقسمة وغير فاعلة.
فقرار انشاء حكومة مؤقتة تلاشى خلال ايام ليحل محله قرار الاحتلال البغيض.
وهكذا بدأ التعامل مع العراقيين الذين كان يتعين انتخابهم لمناصب عليا، كما لو انهم شخصيات ضعيفة مما جعلهم غير قادرين على التأثير بالقرارات التي يتخذها الامريكيون (معظمهم شبان) الذين لا يخرجون ابدا من مخبئهم في المننطقة الخضراء وسط بغداد.
سياسيا، كان الاحتلال كارثة، فقد تدهور وضع الامن عندما شنت القاعدة ورجال صدام المكلومين حملة رعب كبرى استهدف فيها المسلحون المساجد لاثارة انقسامات طائفية، وهكذا تلاشت ذكريات النصر السريع الذي حققه التآلف وحلت الايام السوداء محله.
لكن على الرغم من ذلك، كانت هناك ايام مشرقة ايضا، فقد تحدى ملايين العراقيين الموت للتصويت في اول انتخابات حرة في العالم العربي.
لقد تحدى هؤلاء الرجال والنساء الشجعان، الذين توجهوا الى صناديق الاقتراع، ذلك الاعتقاد السائد بأن العرب غير قادرين على ممارسة الديموقراطية مما جعل من السهل على الحكومات الغربية التحالف مع حكامهم الديكتاتوريين.
ومنذ زيادة عدد القوات الامريكية وما تبعها من جهود لنشر الامن، بدأ العراقيون ينبذون وبأعداد كبيرة طريق العصيان العنيف، وتحول الزعماء العراقيون التقليديون للعمل ضد الجهاديين، وعلى الرغم من استمرار وجود انتحاريين متشوقين لحجز بطاقتهم الى الجنة من خلال قتل الابرياء، الا ان المناخ العام تبدل فعلا، وباتت احتمالات قيام حكم ديموقراطي في العراق مرجحة اكثر من أي دولة عربية اخرى على الرغم من ان هذا الامر يتطلب المزيد من الوقت بعد، ان العراقيين وحدهم من يستطيعون بناء مجتمع انساني مفتوح يعكس بصدق تنوع حضارتهم الكبرى، لقد احتاج العراقيون الينا قبل خمس سنوات لتخليصهم من صدام، وهم يحتاجون الينا اليوم لاتمام المهمة، واعتقد اننا سنفعل ذلك.