سمكة الدويلمي أنذرت البصريين بعودة المياه المالحة إلى شط العرب!
شط العرب يلفظ أنفاسه الاخيرة والحكومة العراقية عاجزة ولاتملك إجابات شافية
منتديات الفرات

البصـــرة / واشنطن/ اور نيوز
شط العرب النهر الذي يتدفق، حسب التوراة، من جنة عدن الى الخليج، تحول الى كارثة اقتصادية وبيئية لاتستطيع الحكومة العراقية معالجتها. فمياه شط العرب التي كانت يوماً تتدفق كالموج الهادر، غدت نتنة، كريهة الرائحة مليئة بمختلف انواع القمامة، بعد سنوات من سوء الادارة واعوام الاهمال.
يقول ستيفن لي مايرز مراسل نيويورك تايمز في العراق ان المياه في البصرة بدأت تجف، والنهر الذي تشكل عند لقاء دجلة بالفرات.. لم يعد كما كان، ولم تعد مياهه تمتلك القوة للتدفق من دون انقطاع الى البحر.. أن الماء المالح للخليج، يندفع الآن نحو شبه جزيرة الفاو. والسنة الماضية -ولأول مرة كما تسجل الذاكرة العراقية- تمدّدت المياه المالحة إلى ما بعد البصرة الميناء الكبير والوحيد في العراق، بل حتى متجاوزة القرنة، حيث يلتقي النهران.. وقد أدى ذلك الى تدمير مواسم صيد السمك، والى هلاك المواشي والمحاصيل الزراعية وبساتين النخيل التي كانت ذات شهرة، وأدى ايضا الى هجرة عشرات الالوف من المزارعين الى مناطق اخرى.
في أرض الحرمان والشدة والايمان العميق، تبدو النكبة على طول ضفاف شط العرب وكأنها من صنع قوة كبيرة.. ويقول رشيد ثجيل مطشر، نائب مدير المصادر المائية في البصرة: لاتستطيع السيطرة بما يريده الله".
ولكن كان للانسان دور ايضا في تدهور أحوال النهر إذ ان تركيا وسوريا وايران قد سدتا منابع المياه المتدفقة الى دجلة والفرات وشط العرب في آخر رحلتيهما في بلاد ما بين النهرين ، حتى ان المسؤولين العراقيين لم يعد امامهم الا القليل جداً من العمل لتوجيه المياه نحو الشبكات الجديدة والسدود.
وقد تدهور الوضع البيئي، تماماً، عندما قطعت مياه الكارون، التي تلتقي مع شط العرب جنوبي البصرة لأكثر من عشرة اشهر، وقد عادت المياه الى الجريان بعد سقوط الامطار في الشتاء.
وفي الثمانينات من القرن الماضي، جرى نزاع بين العراق وايران بشأن شط العرب، الذي يشكل معظم الحدود الجنوبية بينهما واليوم، وبالرغم من تحسن العلاقات بين البلدين بعد سقوط صدام حسين، اصبح النهر مصدراً للتوتر الدبلوماسي.
ويقول وزير الموارد المائية عبد اللطيف رشيد، ان مشاكل البيئة والنزاع بشأن حقوق المياه هي من مخلفات عهد صدام حسين عندما حول مجرى المياه الى خندق خلال الحرب مع ايران وجفف الاهوار في جنوبي العراق في تسعينات القرن الماضي، لكن حتى الحكومة العراقية الان حليفة ايران تقف عاجزة عن منع اصدقائها من الاضرار بشعبها، على حد قول مايرز.
وفي البصرة والقرى المتشبثة بالضفة العراقية من شط العرب، كان تأثير الكارثة، واضحاً جداً، فالمياه العذبة، التي كانت من السابق تسيل في قنوات البصرة – بندقية الشرق الاوسط - كما يطلق عليها- غدت اليوم ممتلئة بالنفايات النتنة.
ويقول رشيد مطشر:"ان المستوى المقبول للملح في المياه العراقية كان 1.500 لكل مليون، وقد ارتفع هذا المستوى ابتداءً من العام الماضي الى 12.000. اما فارس جاسم الامارة، الكيمياوي في مركز علوم البحار بجامعة البصرة، فقال انه قد سجل نسبة 40.000 لكل مليون، إضافة الى المعادن وعناصر شتى ملونة تسيل من الشمال أو من بقايا مصافي النفط في عبادان.
واضاف فارس:"ان هذه المياه تقتل الانسان، وهنا في السيبة مقابل عبادان، تدمر الاملاح الاراضي الزراعية والمحاصيل المختلفة وهي المصدر الثاني للدخل بعد النفط".
إن توفير المياه الصالحة في العراق سيبقى هدفاً بعيداً عن الحقيقة والحكومة العراقية تخطط من اجل بناء سدها على الشط، لكي تمنع مياه البحر عنه، ولكن التكاليف تبدو عالية جدا، وكان العراق قد اجرى مشاورات عدة مع الدول المجاورة له لزيادة كمية المياه في نهري دجلة والفرات ولكن لم يتحقق الشيء الكثير منها حتى الآن.
ويعلق وزير الموارد المائية قائلاً: ان المشكلة تعود الى عقود عدة، وان اصلاحها سيتطلب عقوداً عدة اخرى. ان الفائدة من الديمقراطية، هي تحول المشكلة الى قضية عامة.. وهو أمر لم يكن يحصل في عهد صدام، لقد ارتفعت المشكلة الى السطح، لان العراق بلد حرّ.
غير ان هذا الكلام لايُقنع الاهالي الذين قرعوا جرس الانذار عندما وجد احد الصيادين سمكة كبيرة من نوع الدويلمي بلغ وزنها 132 كلغ عند نقطة في خليج الفاو اذ تأكد للبصريين صعود الماء المالح ثانية في مياه شط العرب، وارتفاع نسبة الملوحة في مناطق أعالي الشط، وحتى ناحية السيبة. والدويلمي سمكة من نوع البراكودا، تعيش في المياه البحرية غالبا، أوالحارة في غرب الخليج العربي وخليج عمان، ويندر أو يستحيل دخولها المياه العذبة مثل شط العرب، لذا رجح الاهالي بحكم الغريزة صعود لسان الملح ثانية.
ويقول محمد سعدون وهو مزارع وصيّاد سمك من قرية ابي الخصيب والذي باع جاموستين السنة الماضية لأنه لم يعد قادرا على توفير ماء الشرب من الشط لهما "ان الماء من الله، ولايجب ان يحرمونا منه".
اما جلال فاخر الذي يقوم واخوته بزراعة قطعة ارض منذ عقود فقد خسر كرمات العنب وخمسة من اشجار المشمش وكامل محصوله من الباميا والخيار والباذنجان. وماتت اشجار النخيل الجديدة التي زرعها قبل سنتين، لكن النخلات الاقدم حملت وان كانت فروعها راحت تصبح صفرا وتضاءل محصوله السنوي من التمر.
وقال فيما كان يتمشى في بستانه الذي هَزُلَّ "لقد كان جنة". وغرق زعماء العراق اولا في نزاعاتهم في فترة ما بعد صدام وهم الان يتصارعون داخل المأزق السياسي الذي تسبب في تأخير تشكيل حكومة جديدة وهم حتى الان غير قادرين على القيام بما مطلوب لتفادي الكارثة التي تجلت هنا، ناهيك عن عكسها.
ويرى حزام علوان حمود كبير عائلة بدوية بعمر 71 سنة تعيش في اكواخ من قصب في المستنقعات المجاورة لشط العرب قريبا من ابو الخصيب والذين يتجولون مع جواميسهم اينما هاجمهم الملح "نحن سنحصل على حقوقنا، اذا كانت حكومتنا قوية. وحكومتنا ضعيفة، انها حكومة مفاوضات".

المصدر