من منا الان يختار الحال التي يرغب ان تقبض عليها روحه, اسأله تعالى ان يقبضني ساجدا لوجهه الكريم آمين كثيرة هي الأمنيات التي تحدو أذهاننا صباح مساء, أمنيات في الزوجةوالعملوالمركز الاجتماعي والمال والمسكن ولكن من منا جلس مع نفسه يتفكر في شكلالخاتمة التي يرجوها لهذه الحياة, لا شك أن الناس يتفاوتون في أمنياتهم وارؤاهم لهذه اللحظة وما من شك أن هذا الاختلاف ما هو إلا انعكاس لأحلام حياتهم كلها.
فتعالوا بنا نتأمل كيف تمنى الآخرون خاتمتهم:
لما نزل الموت بالعابد الزاهد عبد الله بن إدريس اشتد عليه الكرب فلما اخذ يشهق بكت ابنته فقال: يا بنيتي لا تبكي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمهكلها لأجل هذا المصرع ..
أمّا عامر بن عبد الله بن الزبير فلقد كان على فراش الموت يعد أنفاس الحياة وأهله حوله يبكون فبينما هو يصارع الموت سمع المؤذن ينادي لصلاة المغربونفسه تحشرج في حلقه وقد أشتدّ نزعه وعظم كربه فلما سمع النداء قال لمن حوله :
خذوا بيدي ..!!
قالوا : إلى أين ؟ ..
قال : إلى المسجد ..
قالوا : وأنت على هذه الحال !!
قال : سبحان الله .. !! أسمع منادي الصلاة ولا أجيبه خذوا بيديفحملوه بين رجلين فصلى ركعة مع الإمام ثمّ مات في سجودهنعم مات وهو ساجد ..
واحتضر عبد الرحمن بن الأسود فبكى فقيل له : ما يبكيك !! وأنت أنتغني فيالعبادة والخشوع .. و الزهد والخضوع. فقال: أبكي والله أسفاً على الصلاة والصوم ثمّ لم يزل يتلو حتى مات .
أما يزيد الرقاشي فإنه لما نزل به الموت أخذ يبكي ويقول:من يصلي لك يا يزيد إذا متّ ؟ ومن يصوم لك ؟ ومن يستغفر لك من الذنوب ثمتشهدومات ..
وها هو هارون الرشيد لما حضرته الوفاة وعاين السكرات صاح بقوادهوحجاب:اجمعوا جيوشي فجاؤوا بهم بسيوفهم ودروعهم لا يكاد يحصي عددهم إلا اللهكلهم تحت قيادته وأمره فلما رآهم . بكى ثم قال :يا من لا يزول ملكه .. ارحم من قد زال ملكه ..ثم لم يزل يبكي حتى مات ..
أما عبد الملك بن مروان فإنه لما نزل به الموت جعل يتغشاه الكرب ويضيقعليهالنفس فأمر بنوافذ غرفته ففتحت فالتفت فرأى غسالاً فقيراً في دكانه .. فبكى عبد الملك ثم قال : يا ليتني كنت غسالاً . يا ليتني كنت نجاراً . ياليتنيكنت حمالاً . يا ليتني لم ألِ من أمر المؤمنين شيئاً .. ثم مات .
وهذا مشهد من عصرنا الحديث:
شاب أمريكي من أصل أسباني ، دخل على إخواننا المسلمين فى إحدى مساجدنيويورك في مدينة بروكلين بعد صلاة الفجر وقال لهم أريد أن أدخل فىالإسلام.
قالوا : من أنت ؟
قال دلوني ولا تسألوني.
فاغتسل ونطق بالشهادة، وعلموه الصلاة فصلى بخشوع نادر تعجب منه روادالمسجدجميعاً.
وفى اليوم الثالث خلى به أحد الإخوة المصلين واستخرج منه الكلام وقال له:
ياأخي بالله عليك ما حكايتك ؟
قال: والله لقد نشأت نصرانياً وقد تعلق قلبي بالمسيح عليه السلام و لكننينظرت في أحوال الناس فرأيت الناس قد انصرفوا عن أخلاق المسيح تماماً فبحثت عنالأديان وقرأت عنها فشرح الله صدري للإسلام ، وقبل الليلة التي دخلتعليكمفيها نمت بعد تفكير عميق وتأمل في البحث عن الحق فجاءني المسيح عليهالسلام فيالرؤيا وأنا نائم وأشار لى بسبابته هكذا كأنه يوجهني، وقال لي: كنمحمدياً.
يقول : فخرجت أبحث عن مسجد فأرشدني الله إلى هذا المسجد فدخلت عليكم.
بعد هذا الحديث القصير أَذَّنَ المؤذن لصلاة العشاء ودخل هذا الشابالصلاة مع المصلين ، وسجد في الركعة الأولى ، وقام الإمام بعدها ولم يقم أخوناالمبارك بل ظل ساجداً لله فحركه من بجواره فسقط فوجدوا روحه قد فاضت إلى الله جلوعلاأخي في الله تأمل طويلا في هذه الخاتمة.
وهذا زوج نجاه الله من الغرق في حادث الباخرة سالم اكسبريس يحكي قصة زوجتهالتي غرقت في طريق العودة من رحلة الحج يقول: صرخ الجميع إن الباخرة تغرق وصرخت فيها هيا اخرجي.
فقالت : والله لن أخرج حتى ألبس حجابى كله
فقال : هذا وقت حجاب !!! اخرجي!! فإننا سنهلك !!!.
قالت : والله لن أخرج إلا وقد ارتديت حجابى بكامله فإن مت ألقى الله علىطاعة فلبست ثيابها وخرجت مع زوجهافلما تحقق الجميع من الغرق تعلقت به وقالت: استحلفك بالله هل أنت راضٍ عنى ؟
فبكى الزوج.
قالت هل أنت راضٍ عنى ؟
فبكى.
قالت أريد أن أسمعها.
قال والله إني راضٍ عنك.
فبكت المرأة الشابة وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وظلت تردد الشهادة حتى غرقتفبكى الزوج وهو يقول : أرجو من الله أن يجمعنا بها في الآخرة في جنات النعيم.
وها هو رجل عاش أربعين سنة يؤذن للصلاة لا يبتغى إلا وجه الله ، وقبلالموتمرض مرضاً شديداً فأقعده فى الفراش ، وأفقده النطق فعجز عن الذهاب إلىالمسجد، فلما اشتد عليه المرض بكى ورأى المحيطون به على وجهه أمارات الضيقوكأنه يخاطب نفسه قائلاً يارب أؤذن لك أربعين سنة وأنت تعلم أني ما ابتغيتالأجر إلا منك، وأحرم من الأذان في آخر لحظات حياتي. ثم تتغير ملامح هذا الوجه إلىالبشر والسرور ويقسم أبناؤه أنه لما حان وقت الآذان وقف على فراشه واتجه للقبلةورفع الآذان في غرفته وما إن وصل إلى آخر كلمات الآذان لا إله إلا الله خر ساقطاًعلى الفراش فأسرع إليه بنوه فوجدوا روحه قد فاضت إلى مولاها وهذه أيضا....ختامها مسك:
وهذا شيخنا المبارك عبد الحميد كشك رحمه الله يقبض فى يومٍ أحبه من كل قلبه في يوم الجمعة يغتسل ، ويلبس ثوبه الأبيض ، ويضع الطيب على بدنه وثوبه ويصلى ركعتي الوضوء ، وفى الركعة الثانية وهو راكع يخر ساقطاً فيسرع إليه أهله وأولاده ، فوجدوا أن روحه قد فاضت إلى الله جل فى علاه.
لقد أجرى الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شىء مات عليه ومن مات على شىءبعثعليه.
لست مجبراً على إرسالها ولن تأثم على إهمالها بإذن الله فإن شئت أرسلها فتؤجر أو أمسكها فتحرم