عراقيوا الداخل والخارج ..الابيض والاسود
عبد الجبار سبتي


كثيرة هي المنزلقات والحفر في المجتمع العربي والاسلامي , منها على سبيل المثال لا الحصر , التعميم في اطلاق الاحكام , وختم الفكر باتجاه محدد ,لا يقبل التلوين والتنويع والتجديد , الفكر العربي والاسلامي مصاب بعمى الالوان , فهو لا يرى من الالوان غير الابيض والاسود , فاما ان تكون معي والا فانت ضدي , ولا يمكنك وانت تتفق مع تيار من التيارات العربية والاسلامية الا ان تتفق معه على طول الخط ,فلا يكون هناك مجال لانتقاد او توجيه او تنبيه ,فالابيض ابيض برايهم ولا يمكن ان يخالطه لون اخر ابدا ,وان تجرأت وقلت غير ذلك فأنت عميل للموساد ولا يرضون بتهمة اقل من هذه , هذا الكلام ينطبق انطباقا تاما على الواقع العربي والاسلامي السياسي والفكري والاجتماعي ككل .
فالعرب هم (خير امة اخرجت للناس ) كما كان حزب البعث يروج متناسيا ان الله عزوجل قصد بالامة هنا الامة الاسلامية وليس العرب بالتحديد , والعرب والمسلمين هم من علم الناس اصول الحضارة , متناسين ان الحضارة العربية الاسلامية ما كانت لتصل الى الرقي الذي وصلته لولا انفتاحها على الحضارات الاخرى المعاصرة والسابقة لها التي شاركت بها جميع الامم و متناسين واقعهم اليوم .
مصر هي ام الدنيا بالرغم من الفقر والتخلف والسعودية قبلة الاسلام بالرغم من ان الحركة الوهابية هي اخطر من اي خطر اخر على الاسلام وايران دولة المهدي المعصومة من كل زلل بالرغم من تخلف حكامها واتهامهم لابناء شعبهم بالخيانة , والعراق اغنى دول العالم بالرغم من ان صدام اثقل كاهله بديون لها اول وليس لها اخر متناسين ان العراق فرض عليه حصار هو الاول من نوعه والاكبر ضررا في التاريخ بسبب مغامرات نظامه وعنجهيته الغير محسوبة والتي ادت الى تجويع وتشريد شعبه في اصقاع العالم القريب منها والبعيد بسبب الجوع والقتل وانواع الاضطهاد . وهكذا باقي الدول والشعوب العربية (كل حزب بما لديهم فرحون ) متناسين المشاكل والالام والتشخيص والتحليل والحلول .
ان اطلاق مثل هذه الاحكام العمومية والبعيدة عن الواقع لم تكن ببعيدة عن الانظمة واجهزة مخابراتها بل ان من اطلقها وروج لها هم ازلام الانظمة المستفيدين من تسلطها اضافة الى تقوقع الفكر العربي والاسلامي الغير قابل للنقد والتحليل , المصاب بعمى الالوان ,والفكر العراقي لا يحيد ولا يختلف عن الفكر العربي والاسلامي , وما محاولة تجزأة الشعب العراقي الى شقين وتسميتهم بعراقيي الداخل والخارج الا محاولة تدور في نفس فلك الابيض والاسود , وهي محاولة لزيادة تمزيق الشعب الواحد لا تخلو من تعمد وتقصد وسابق اصرار شجع على نشرها تقوقع الفكر وضحالته , والا فهل ابناء الخارج كما يطلق عليهم الا من المشردين من ابناء الوطن المنكوب من المضطهدين السياسيين وممن شارك في الانتفاضة الشعبانية الذين ارغموا على الهجرة من بلدهم خوفا من بطش النظام وجلاوزته , اليس من حقهم على بلدهم ان يحتضنهم ويرعاهم بعد ان احتضنهم الغريب ورعاهم افلا يمكن لاهلهم وشعبهم وبلدهم ان يعاملهم على اقل تقدير كما عاملهم الغريب ولماذا التفرقة بينهم وبين عراقيوا الدخل ممن اكتوى بنار النظام واذنابه ولم يستطع الخلاص من قبضته وسجنه العام اليس من حق هؤلاء الذين بقوا في وطنهم على اخوانهم الذين غادروه ان يحضو بالرعاية والاهتمام ممن سافر واكتسب ثقافة اخرى .
ان اطلاق الاحكام العمومية مبدأ مرفوض ولا يمكن لاي عقل حر ان يقر به وهو دليل اكيد على ضعف الحجة وهو خلاف المنطق السليم القاضي بمشاركة جميع ابناء الوطن الواحد في بناء الوطن وحمايته وعلينا كابناء وطن واحد رفض اي كلام يدعو للتفرقة والانقسام , فلا احد يستطيع ان ينكر الدور المتميز للاحزاب العريقة مثل حزب الدعوة والمجلس الاعلى في مقارعة النظام ومعارضته الا المعاندين , كما ان لا احد يستطيع ان ينكر دور الشعب في تحمله وصبره وما تعرض له من مصائب وكوارث على يد النظام ورغما عن ذلك بقي محافظا ومصرا على مبادئه وثوابته .
وليس صحيح التفريق بين الدورين او اغماض العين عن تضحياتنا سواء بسواء , كما ان الوطن والدفاع عن حقوق الشعب ليس موضع مزايدة من هذا الطرف او ذاك , فمن قام بمعارضة النظام من ابنائنا قام بواجبه, ومن حمى المبادئ والثوابت قام بواجبه , ولكل حق على الوطن ان يحتضنهم ويرعاهم , ولا شكر على الوجب ولا مزايدة .