إن الإسلام الذي شرَّفنا الله به، شأنه كشأن الإنسان، بل شأنه كشأن كل حيٍّ من الكائنات، لابدَّ فيه من جسم وروح، فما هو جسم الإسلام؟ وما هي روحه؟
جسم الإسلام الإيمان العقلي بوجود الله وبوحدانيته، وبالرسل والأنبياء جميعاً. وأما روح الإسلام فهي الحب: حب الله سبحانه وتعالى، وحب رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام، لايتحقق الإسلام إلا بجسم وروح، جسم الإسلام: اليقين العلمي والاعتقاد الفكري بالله عز وجل ورسله وكتبه، أما روح الإسلام فهي الحب.
والإنسان - أيها الإخوة - هل تتصورون أن يكون له وجود مفيد إذا انفصلت عنه روحه، وبقي جسداً بدون روح؟ كذلكم الإسلام لاقيمة له ولا أثر إذا كان مجرد اعتقاد يهيمن على العقل، يجب أن تعلموا هذه الحقيقة، ومن أجل هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لايؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) الحب شيء والإيمان العقلي شيء آخر، الإيمان بالعقل لايغني عن الحب الذي يهيمن على القلب، تماماً كما أن الجسد لايغني عن الروح، وعندما تحدَّث الله عز وجل عن صفات المؤمنين جعل الحب أول صفة من صفاتهم، قال: {وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة: 2/165] لم يصف الله المؤمنين باليقين العقلي، لم يصف الله المؤمنين بالإدراك الفكري وحده، على أن الإدراك لابد، واليقين الاعتقادي لابد منه، ولكن هذا كله جسد، ولابد أن تتسرب الروح بعد ذلك إلى الجسد حتى يتصف بالحياة، ولذلك ميّز الله عز وحل المؤمنين عن غيرهم بهذا الحب، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}.
عندما يتحقق هذا الحب إلى جانب اليقين الاعتقادي في كيان المسلمين تحلُّ مشكلاتهم كلها، وعندما يغيب الحب ويبقى الاعتقاد وحده موجوداً في طوايا الدماغ والفكر؛ فإن المشكلات تتكاثر ولن تجد لها حلاً أبداً.
ونحن اليوم - أيها الإخوة - نعاني من مشكلات كثيرة كما تعلمون. ولا أريد أفيض في ذكر هذه المشكلات، فكلكم يعرفها، ولكن أمرُّ بكم على عناوينها، من هذه المشكلات حقوقنا المهدرة المغتصبة، البرآء الآمنون في سربهم والذين يُقَتَّلون صباح مساء في كل يوم، يقطَّعون إرباً إرباً، تسلَّط عليهم الكلاب، مشكلة من أخطر المشكلات.