زواج الفضائيات..هل يكون بديلاً حقيقياً عن الزواج التقليدي

من هو؟... وكيف يكون؟... وما مواصفاته؟.. يرسم كل واحد منا في ذهنه مجموعة من المواصفات المثالية وربما اللاواقعية عن فارس الأحلام.. أو فارسة الأحلام، والتي غالباً ما تكون صوراً من نسج الخيال، ثم تبدأ تلك الصور بالأفول والتلاشي والتساقط الواحدة تلو الأخرى بعد انحسار الخيارات وتقادم الزمن وتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والانسانية.
وفي سابقة لم يشهدها المجتمع العراقي بعد انتشار الفضائيات التي لم تترك صغيرة أو كبيرة الا واهتمت بها وغطتها لتشمل الجوانب الاخبارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والدينية والتجارية والصحية و الترفيهية والأغاني والأفلام والفنون والرياضة والألغاز والمسابقات المخصصة للأسرة والأطفال والأزياء والطبخ والتنجيم والأبراج وترويج البضائع والمكياجات والاكسسوارات.. وأخيراً الدردشة والتعارف وفضائيات الزواج.
لوحظ انتشار هذه الأخيرة وبشكل سريع ومتزايد، وببحث بسيط ستجد وعلى قمر (النيل سات) فقط اربعاً من هذه القنوات وهي (الوسيط والمودة ورابط الخير والعفاف) ناهيك ما عن باقي الأقمار الأخرى والزواج والترويج له، -وهي مواقع كثيرة ولكنها محصورة بمستخدمي الانترنت- وربما في قادم الأيام ستظهر الكثير من هذه الفضائيات لرواجها وكثرة الاهتمام بها من الجنسين مع غياب دور الخاطبة، وانحسار أنماط الزواج التقليدي من الأقارب والمعارف، في المجتمع العربي بصورة عامة، وفي العراق بصورة خاصة، وبعد عزوف الشباب عن الدخول لهذا القفص الذهبي للتحذيرات المتكررة من داخليه، ولكثير من العوامل الاقتصادية والاجتماعية.
آلاف الرسائل
تروج هذه القنوات خدماتها لراغبي الزواج من الجنسين بالتواصل فيما بينهم عبر الرسائل النصية القصيرة وتتقاضى مقابل هذه الرسائل ما بين دولارين وثلاثة دولارات للرسالة الواحدة، وتستقبل طلبات يومية ورسائل نصية بما يقارب من (1500-5000) آلاف رسالة في اليوم، والنتيجة ثروة تجنيها تلك الفضائيات يدفعها غالباً من لا يسعى للزواج أصلاً حسب استطلاع أجري مؤخراً، اذ يقول فيه أحد المشاركين في هذه المحطات حين سألوه: هل ستتزوج فعلاً من احدى المشاركات، أو هل تبحث فعلاً عن زوجة عن طريق المحطات الفضائية، فضحك وأجاب (النسوان على قفا من يشيل) ومن تريد الزواج لا تشارك في هذه الفضائيات.. نساء الفضائيات للتسلية وهن يعرفن ذلك.
تجارب فاشلة
وفي تجربة أخرى لاحدى المطلقات في الأربعين من العمر، صرحت انها بالفعل أرادت الوصول للزواج عبر مواقع الأنترنيت والفضائيات والنتيجة كانت مذهلة بالنسبة لها، اذ وجدت كل أنواع الشذوذ في هذه الوسائل: رجل يريد أن يصبح تابعاً ويريدني أن أتعلم كيف أضربه قبل أن يوافق على الزواج بي، ورجل آخر يريد مطالب شاذة، وعندما سألوها: لماذا لم تتوقف عن التواصل مع هذه الفضائيات والمواقع المشبوهة بعد اكتشافها لهذا (الشذوذ) قالت انها أصبحت مواقع للتسلية ومن غير المقبول أن تتزوج عن طريقها.
مواصفات مطلوبة
وتنقسم شاشة كل فضائية من هذه الفضائيات الى نصفين، النصف الأول للمرأة والثاني للرجل، وكل منهما يصف نفسه وعمره وجنسيته وسكنه وما يريد من شريك حياته من شروط ومواصفات، وقد لوحظ ان أكثر المشاركين سواء كانوا رجالاً أم نساء هم المصريون والسعوديون، والأقل منهم اللبنانيون والسوريون والسودانيون والليبيون ثم العراقيين، وان أكبر المشاركين (75) سنة وأصغرهم (18) سنة.
وان أكثر المواصفات المطلوبة هي أن يكون شريك العمر (ميسور الحال، متديناً، ملتزماً، متزناً، هادئاً، دمه خفيف، مثقف، يقدّر الحياة الزوجية، متفهماً، طيباً، رومانسياً، وسيماً، مرحاً، ذا مركز مرموق أو مهم، اجتماعياً، يحب السفر، غير متشدد، قوي الشخصية، وأن يكون الزواج شرعياً) وأقلها أن يكون (غيور جداً جداً، طيب جداً جداً، ضابط شرطة، طياراً، ديمقراطياً، جامعياً، خليجياً، طويلاً، متحرراً، بلا أولاد بالنسبة للرجل، وعقيمة أو لاترغب بالأطفال بالنسبة للنساء، أماً حنونة لأطفال الزوجة السابقة، وزواج... مسيار) وهناك طلب غريب لاحدى البنات وهو أن، يشبه الفنان (تامر حسني).
نماذج من الطلبات
لتتكامل الصورة في ذهن القارئ أورد هنا عدة نماذج اخترتها لما تحتويها من طرافة وغرابة:
1. متزوج من السعودية، عمري (29)، مواصفاتي: لست جميلاً ولكني جميل في مواصفات، قوي الشخصية، كريم، أعشق المرأة، ذكي وحكيم، أنيق، صبور، متحضر.
2. مطلقة، طويلة، عمري (28) سنة، رومانسية، أعشق السفر والرحلات، أنوثتي طاغية، أقدر الحياة الزوجية، أعتني بزوجي وبيتي، أهوى الموسيقى والضحك والرقص الشرقي، لا أحب النكد ولا المشاكل، ثرية، أرغب برجل ذي بنية قوية، يقدرني ويحترمني.
3.أرملة بيضاء مكتنزة طويلة، تعشق الحياة الزوجية، تقدر الرجل وتعرف كيف توفر له الجو الأسري الرائع.
وللوهلة الأولى سيظن الضحية ان هذه المرأة ستكون بحوزته مع أول رسالة (أس أم أس) والنتيجة ان صاحبة هذه المواصفات ما هي الا الموظف في غرفة (الكونترول) الذي يتفنن بتغميس الطلبات بتلميحات اغرائية تداعب مخيلة المراهقين والمكبوتين، ليجد نفسه وقد بعث ما يزيد على ثلاثمائة رسالة خلال اسبوع واحد، والنتيجة المزيد من الغموض واللاجدوى.
4. عمره (25) سنة، أعزب.. أريد زوجة اسمها (فدوه) برجها السرطان، تطفئ القلب الولهان، ويكون الطول (175) والعرض (32) والارتفاع مناسب، وتكون كويتية من مواليد باريس.. (ياريت ياكنترول تقدر تلاقيلي طلبي).. فهل هذا طلب حقيقي مثلاً..
5- عمره (51) سنة، أرمل من مصر، رجل أعمال ثري ومتزن، وسيم، مثقف، أبيض، طولي (175) أرغب بزوجة راقية، حنونة مرحة، صادقة، جادة، بيضاء، ساحرة الجمال، طويلة، ملفوفة، جامعية، من عائلة مرموقة، أرملة أو مطلقة، سن مناسب، مصرية أو خليجية.. للجادات فقط.. فهل هذا جاد فعلاً؟
أرباح كبيرة في حساب الفضائيات
ان نسبة العازبات العالية في المجتمعات العربية خاصة مع ارتفاع نسبة الطلاق وخنق أبواب التواصل الصحي والطبيعي بين البشر تحت شعارات بعض الأعراف والتقاليد الظالمة، كل هذا سمح لمثل هذه الظواهر التي ينظر اليها البعض بسذاجة وعدم اكتراث أو سخرية وعدم اهتمام، ولكن ما يحصل في الواقع ان الأمر أكثر جدية مما يظن، فهذه الظواهر الفضائية تلعب على مشاعر الناس وتروج لنفسها بأنها تقوم بمهمة انسانية مباركة، لأن أهدافها معالجة ظواهر العنوسة والطلاق في المجتمع والتوفيق الحلال بما يرضي الله، ولكن خلف نبل هذا المقصد ثمة أرباح كثيرة تتكدس في حساب الفضائيات، وما زال هناك المزيد من العوانس والمطلقات من دون زواج.
احصائيات
وحسب احصائيات أخيرة فان هناك (200) ألف امرأة عربية تدخل مرحلة فقدان الفرصة بالزواج في حياتها كل سنة، وستحرم هؤلاء النساء من حقهن في اكمال الوظيفة الأسمى في الحياة وهي الحصول على أسرة وانجاب الأولاد، فضلاً عن انه سيكتب على هؤلاء النساء أن يعشن في ظل ذلك الضغط الاجتماعي الذي يعتبر الفتاة غير المتزوجة ناقصة، وستعيش الى جانب ذلك في ظل تسلط الأخوة والأب وذكور العائلة، ولذلك تبحث الفتاة عن أي فرصة زواج حتى لو كان الرجل المتقدم متزوجاً من أخرى أو أخريات، أو كبيراً في السن، وهذا ما يبرر حالات الطلاق الكبيرة التي وصلت اليها مجتمعاتنا العربية لأن طريقة الزواج كانت بدافع التخلص من العنوسة وليس بهدف بناء أسرة، وعلى الأغلب ستكون هذه الفتاة العزباء صيداً سهلاً للتورط بعلاقات عاطفية بدافع العثور على زوج، وقد تحولها في النهاية الى امرأة عابثة بمصيرها اذا ما تعرضت لفقدان عذريتها لسبب من الأسباب، وقد يعد النساء لهذه الفضائيات هي جزءاً من هذه المحاولات اليائسة.
عولمة أم تطبع
وكالعادة اختلف الكثير من الباحثين حول هذا الاسلوب من الزواج فمنهم من يقول عولمة، ومنهم من يقول تطبع، وآخرون يقولون: شرخ أخلاقي، لكنها في المحصلة هي مشكلة باتت تهدد واقعنا وبيئتنا الاجتماعية، وتستدعي وقوف المتخصصين ومؤسسات المجتمع المدني، لدراسة هذه المشكلة لأنها قد تهدد أسرتنا العربية، لما تفرزه من مشاكل قد تذهب بنا كأمة الى الانحلال والضياع لما نراه من فضائيات تستخدم الدجالين للحصول على عريس، أو أخرى تبحث عن عروس أو غيرها من التي تخرج الشياطين أو تفك السحر وتحلم بأن، تتحول الى منطقة تجارة حرة لتبادل السلع البشرية والممنوعات.
\وتحفل الكثير من وسائل الاتصال الغربية بمواقع ومحطات للبحث عن شركاء وللمواعدة وللتواصل بكل أنواعه، وطبيعة الشرق -كما يقول أحدهم- تقوم على عدم تسمية الأشياء بأسمائها، ونفس هذه المواقع والمحطات موجودة في فضائنا العربي ولكن تحت مسميات أخرى.
وجميعها أسماء لقنوات فضائية عربية تعنى بفكرة واحدة: الوصول لعقد النكاح، والهدف النبيل لجمعِ رأسين بالحلال وهو عنوان فقط ليمارس البشر حقوقهم في التعارف والتواصل والاتصال والتعبير عن رغباتهم المكبوتة والمؤجلة والمقموعة، وهناك قصص كثيرة من واقع الحياة تتمحور حول الرغبة الحقيقية للتواصل مع هذه الفضائيات.وبالمناسبة هي ليست حكراً على المجتمعات المغلقة، وانما تخص كل المجتمعات العربية وتمتد حتى تصل الى الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا.