ترتيبات أمنية وسياسية أسابيع قبل الانسحاب "المشرّف
غيتس فى العراق فجأة للوقوف على اللمسات الأخيرة
ترتيبات أمنية وسياسية أسابيع قبل الانسحاب "المشرّف"
تونس-العرب أونلاين- مختار الدبابي: فى زيارة هى السادسة من نوعها، منذ تسلمه مهامه قبل عام تقريبا، حل وزير الدفاع الأمريكى روبرت غيتس فجأة، فى مدينة الموصل شمال العراق ثم تحول لاحقا للعاصمة بغداد ليلتقى قائد القوات الأمريكية فى العراق الجنرال ديفيد بتريوس والرئيس العراقى جلال الطالبانى ورئيس الوزراء العراقى نورى المالكي.
وتثير الزيارات المفاجئة التى يؤديها المسؤولون الأمريكيون إلى العراق منذ غزوه سنة 2003 أسئلة حول توقيتها والأهداف التى ترمى إليها.
وتتنزل الزيارة الجديدة بعد صدور تقرير استخباراتى رسمى من واشنطن يبرئ إيران من تطوير الأسلحة المحرمة أمريكيا، وهو تقرير يسمح بفك الضغط الدولى عليها ويوقف الطلبات المتزايدة للرئيس بوش وللوبى الصهيونى بتسليط المزيد من العقوبات ضدها..
التقرير، برأى الكثير من المحللين، لا يؤشر على تناقض فى المواقف الأمريكية التى عرفت تقلصا فى توزيع الأدوار بين المسؤولين والمؤسسات فى السنوات الأخيرة بفعل سطوة الخطاب الطوباوى للرئيس بوش، وها قد عادت إليها أخيرا لترسل برسالة تطمينية لطهران.
ويذهب بعض المحللين إلى أن الوضع العراقى هو المبرر الأبرز الذى دفع بالأمريكيين إلى تبرئة طهران وخطب ودها فى صمت عبر تقرير موارب يحتمل الاستنتاج ونقيضه، وهى تبرئة وقتية حتى تستوى الطبخة السياسية والأمنية التى يجرى الإعداد لها بإحكام من قبل الجنرالات الأمريكيين على أرض المعركة.
هناك محاولة أمريكية للتهدئة فى الملف العراقي، بعد النجاح فى امتصاص الغضب العربى عبر مؤتمر أنابوليس الذى جذب دمشق إلى دائرة التهدئة وأعطى العرب أملا/ وهما فى حل آت..
ويذهب هؤلاء المحللون إلى القول إن غيتس ذهب إلى الموصل ثم بغداد ليتفقد نجاح الخطوة الأولى من تلك الطبخة، وهى خطوة أمنية اشتركت فى إحكام تنفيذها أطراف عراقية داخلية ودول إقليمية بينها طهران ودول جوار عربية.
الخطوة انبنت على تفتيت قوة الطرفين المعارضين جذريا للخيارات الأمريكية فى العراق، وهما "القاعدة" والتيار الصدري، بالنسبة إلى القاعدة تم ضربها من خلال خطوتين هامتين الأولى إثارة المشاكل بينها وبين الأطياف المقاومة الأخرى باللعب على الخلافات الدينية والمذهبية وخاصة على البعد الوطنى لدى المقاومة العراقية، فيما تمثل "القاعدة" "مقاومة" عابرة للحدود.
وقد نجح الأمريكيون فى تجنيد هذه القوى فى المواجهة الحالية مع "القاعدة" التى أفقدها تزمتها وغرورها حماية العشائر لها التى اضطرت لتشكيل مجالس لـ"الصحوة" بتنسيق وتدريب من الأمريكيين لمواجهة "غزوات" "القاعدة"، وهى الخطوة الثانية فى محاصرتها.
إلى ذلك يتم حاليا تشكيل "صحوة" جديدة داخل مدينة الصدر لتصفية مليشيا جيش المهدى التي، وإن قاتلت طويلا فى خدمة الخطط الأمريكية المبنية على إثارة الحرب الطائفية، فإنها ترفض الآن أن تساند التهدئة التى يرتئيها الأمريكيون بالتنسيق مع طهران ذات الوجود المؤثر فى العراق، إن عبر استخباراتها أو عبر أتباعها من الائتلاف الشيعى المهيمن على الحكومة.
وقد فتحت الإدارة الأمريكية أبواب الحوار مع هؤلاء الأتباع المزدوجين "ساق مع طهران وأخرى مع واشنطن" واستضافت بعضهم فى البيت الأبيض وعاملته مثلما تعامل الرؤساء والشخصيات البارزة حتى وإن كان لا يقدر على الكلام إلا من ورقة يدسها بفوضوية فى جيبه.
الإدارة الأمريكية اخترقت أيضا بعض التيارات السنية والوطنية المقاومة وأقامت مفاوضات ولقاءات معها بوساطة عربية ورعاية من بعض الشخصيات البارزة مثل اللقاء الذى تم منذ أسابيع على سواحل البحر الميت واستبقت "العرب" فى نشر تفاصيله وحضره بعثيون "سابقون" ومقاومون سنيون وشخصيات حكومية أو مقربة من الحكومة الحالية وأمريكيون وشخصيات عربية وسيطة.
ويذهب المحللون إلى القول إن رفض القوات الأمريكية تسليم ما يصطلح على تسميتهم بمدانى الأنفال وأساسا على المجيد وسلطان هاشم يدخل فى إطار تهدئة الأجواء لإنجاح الترتيبات السابقة وربما فيهم من قد يكون جزءا من هذه الترتيبات "سلطان هاشم أساسا".
وما يجرى وراء الستار فى الملف العراقى هو جزء من جهود أمريكية وعربية وإيرانية لتكوين حكومة توافق "وطني" تقبل بأمرين أساسيين هما احتفاظ القوات الأمريكية بقواعد عسكرية على التراب العراقى ثم التصديق على اتفاقيات النفط بعيدة المدى، وهما أمران تسعى واشنطن لفرضهما بمختلف السبل بينها العمل على تمرير قانون النفط أمام البرلمان والاعتراف بصلاحية الاتفاق الذى صادق عليه المالكى منذ أيام وهو اتفاق يجعل العراق تحت المظلة الأمريكية فى ما يشبه الانتداب طويل المدى.
وخارج هذين الضابطين فإن الإدارة الأمريكية المربكة والمنشغلة بعشرات القضايا التى صنعتها واحترقت بنارها مستعدة لتدارس أى من الحوار والتفاوض..
وهى تحاول أن تسرّع تحقيق هذه الشروط والتحالفات الجديدة للبدء فى تقليص عدد قواتها من العراق ثم الانسحاب "المشرّف" ثانيا من بلد خسرت لأجله مليارات الدولارات وجعل صورتها فى الحضيض.