اخر نقاط الارتكاز

اخر نقاط الارتكاز.......عبد الجبار سبتي


في مدرسة الحياة ...اصر الاستاذ يوميا على ان يعلم تلاميذه التسامح ...فكان كل يوم يشتمهم ويطلب منهم ان يقولوا له (رحمة الله والديك) ...وفي صباح احد الايام ... جلد الاستاذ تلاميذه لانهم رددوا كلماته التي علمهم اياها ... استاءوا منه ورى ذلك في اعينهم ...تركهم الى ان هدءوا ...ثم بدأ درسه الجديد ... اذا شتمك احدهم وقلت له (رحمة الله والديك) وعاد من جديد ليشتمك ... فقابله بنفس نوع اساءته.... لان البعض لا يعرف مقدار نفسه الا حينما تنطقها السن الاخرين .
في كل ما مضى من حياتي لم احسب ابدا اني خلقت بالصدفة او مر بي امر ولو كان عارضا.. بالصدفة ..او تعرضت لموقف صعب وخرجت منه.. بالصدفة ...ابدا لم افكر يوما هكذا ...فالحياة مجموعة تجارب ... ومن خلقنا لابد انه وضع لكل منا ما يناسبه كي يستطيع الاستمرار في حياته ومواجهة المواقف مهما كانت ... ولان ظروف حياتنا ومعيشتنا تتفاوت كل حسب ما يمتلكه من مؤهلات تربوية وتعليمية ومادية ... لذلك فمواجهة الاخطار والتحديات تختلف ايضا باسلوبها من شخص لاخر ...فهناك من يفضل المواجهة والاستمرار بها حتى اخر نفس ... وكل امر يمر به او عارض يعترضه او خلاف مهما كان تافها يقع بينه وبين الاخرين ... يتصوره وكانه ساحة حرب ... اما ان يكون غالبا فيه او مغلوبا .. يأخذ الامور بحدية وكانها نهاية العالم ... فيمارس اساليب لا تمت حتى الى شخصيته بصلة وبعيدة حتى عن ذاته ...لكن فيما بينه وبين نفسه.. يبرر كل تلك التصرفات بانها كانت دفاعا عن النفس ... فيمارس العدوان ...والاذى النفسي والمعنوي ...يقاتل وكانه في ساحة المعركة ..بينما الامر لا يتعدى في حقيقته ان يكون.. كلمة او بضع كلمات لتنهي الموضوع..وكفى الله المؤمنين شر القتال ...فيرتاح ويريح ... مثل هكذا شخصيات تقف وانت حائر حيالها ولا تعرف كيف يمكنك التصرف معها ... واسوء ما يمكن ان يقع هو ان تكون تلك الشخصية مقربة منك او تربطك بها رابطة ما ... عندها ستضطر لان تكون في حالة دفاع فعلي ...دفاع عن النفس وعن العرض وعن تاريخ قد يكون مشترك ..وسيدمر امام عينيك بفعل تلك النظرة الصبيانية... لذلك فستصيبك الحيرة والفزع في آن واحد ...الحيرة من ردة الفعل العنيفة والغير اخلاقية ...والفزع من النتائج التي ستؤثر عليك في كل حال من الاحوال ... وفي النهاية ستؤثر الابتعاد وتراه افضل الحلول ...فهو افضل من مواجهة خاسرة لك لانك ستخسر نفسك في كل الاحوال ...ان شئت او ابيت ...ستخسر اما احترامك لشخص عزيز وهي خسارة كبيرة ...او تخسر احترامك لذاتك ونفسك وبعض مما تتمسك به وهي خسارة اكبر واعم واشمل ... والاسوء ان يحسب ابتعادك هذا غدرا بالاخرين وخذلانا لهم وجبنا منك لانهم يرونه هروب من ساحة معاركهم الوهمية .... ذكر دهاء عمرو بن العاص عند الامام علي بن ابي طالب ع ...فقيل ان عمرو هو ادهى العرب وفي رواية اخرى معاوية ...فقال عليه السلام (والله مامعاوية بأدهى منّي ولكنّه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنتُ من أدهى الناس; ...) , اذا لا تقاس كل الامور بمقياس واحد ولا يمكن ان ننظر الى كل امر على انه تحدي ...فنستشهد ...ببعض الكلام السفيه ...من امثال (لا تتحدى شخص ليس لديه ما يخسره )... اونسي هذا الشخص انه لديه شرف ما زال يحتفظ به ..وهل نسي ان لديه انسانية تميزه عن بقية خلق الله من الحيوانات ..اونسي انه ما زال يملك روحا كرمها الله وستحاسب يوما ما ...فتعرض على من لا يخفى عليه خافية ...اونبيع كل ذلك من اجل خلاف او امر زائل ... هل المطلوب من كل شخص منا ان يستمر في الصراع مهما كان نوع هذا الصراع والى اجل غير مسمى ومهما انت نتائجه ...فاما ان نُقتَل او نَقتل؟؟؟!!!... تلك النظرة اساسها جهل يملء نفوس البعض ...فيتصور ان من ادار ظهره لاساءته وكظم غيضه وابتلع غضبه ...انما جبن عن مواجهته .. فيستصغر شأنه ...ويزيد من جرعة الاساءة فتصل به الامور الى ما لا يمكن له ان يصدر من بشر يعرف ان الاخرين يمتلكون ما يملك من حرية ومشاعر وانسانية ... محاولا قدر امكانه ان يحطمهم او يرهبهم باساليبه العبثية والتي لا تصدر من انسان سوي يحمل اخلاق ويحترم الاعراف ... لا اعتقد ان هناك بشر على وجه البسيطة لم يتعرض لمشكلة ما مع شخص اخر ... فالدنيا في كل حال هي دار اختبار ... والمزاحمة والمنافسة امر لا بد منه ... والشجار امر لا يمكن لاحد الخلاص منه ...لكن هل يعني ذلك ان من يزور الحقائق انسان سوي ولا يمكن لقانون ان يحاسبه ... هل يعني ذلك ان نتبع اسلوب معوج للوصول الى انتصار يشفي غليلنا ... وفي كل حال من الاحوال فالانسان ابن بيئته ... وما يصدر عنه يعبر عن دواخله بالضرورة وسلوكه يعبر عن تربيته ... وفي كل حال من الاحوال لا بد لمن اراد ان يحافظ على صورته الجميلة امام الاخرين وامام الله عزوجل ان يترفع عن كل ما من شأنه ان يسقط به نحو الهاوية ... وان يترفع عن اتباع الاساليب الرخيصة والملتوية لتحقيق ما اراد ... يكفيك ان تعبر عن ذاتك باحرف من نور فتضئ دربك ودروب الاخرين ولستَ مضطرا ابدا لان تعبر عن ذاتك بأحرف من نار فتحرق دربك ودروب الاخرين ... وتدمر كل شئ ... ولا تنسى ابدا ان ما تستطيع انت فعله يستطيع الاخر ان يفعله بل واكثر لكن كل ما في الامر انه يترفع عن مجاراتك افعالك السوء وان يسير في طرق الريبة .... ولو شاء فعل ...ولو فعل فانه لا يلام .. لانه ببساطة قابلك بسلاحك وواجهك باساءاتك...فاتق الله قبل كل شئ ...ولتكن لديك في كل امورك مرتكز اخير ترتكز عنده وتتكئ اليه ...فان من خسروا كل شئ ...هم اولئك الذين خسروا انفسهم قبل كل شئ .