التيه....السونامي الناصري وسونامي البو عزيزي

التيه....السونامي الناصري وسونامي البو عزيزي
عبد الجبار سبتي
التيه
كنت قد كتبت موضوعا في العام 2008 اسميته السونامي الناصري المد الكارثي لخصت فيه ما جرى على اوطاننا من تيه وضياع نتيجة الانقلابات الكارثية التي قام بها بعض العسكريين والضباط في تلك الفترة وحددت الاسباب التي كانت وراء تلك الانقلابات والتي كانت كارثية بكل ما تعني الكلمة من معنى ,ففي تلك الفترة وتحديدا فترة خمسينيات القرن المنصرم شاع الفكر الثوري وتحديدا الفكر الشيوعي كنتيجة لانقسام العالم الى معسكرين غربي وشرقي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, راجت في تلك الحقبة من الزمن موجتين تصارع احداهما الاخرى وان كان صراعا باردا لم يصل والحمد لله حد الصراع العسكري المباشر والا لانتهى العالم بكارثة تنهي الحياة من على ظهر البسيطة .
ولكون منطقتنا من المناطق المهمة والحيوية جدا للطرفين فقد كان لها حصة كبيرة من هذا الصراع ادت الى ظهور حركات واحزاب يسارية كثيرة تبحث عن التغيير والانقلاب على الواقع , مضاف اليها حركات سابقة تمثل الموروث الديني والقومي.
جميع هذه الحركات والاحزاب كانت تبحث عن فرصة للانقلاب والقفز الى المنصة لكنها واجزم هنا متيقنا لم تكن تملك رؤية واضحة او خارطة طريق تترجم مصطلحاتها وشعاراتها ,كان الاسلاميون بجميع اتجاهاتهم يبحثون عن دولة مؤسلمة لكنهم لا يملكون غير ايات قرأنية يفسرها كل على هواه او كل على مستوى تفكيره وادراكه , لا يملكون نظريات وافكار حديثة يمكن ان تناسب العصر غير العنعنة والتشيخ والدروشة ويكادون يكفرون كل ما هو حديث,
وبعضهم يكفر حتى اقرب المقربين فكريا منه, وكان القوميون يبحثون عن نموذج هتلر , يبتغونها نازية بصبغة عربية ,والشيوعين يبحثون عن نموذج من لينين والمتعصبين منهم يغالي اكثر فيبحث عن نموذج استاليني .
هذا الحراك والصدام الفكري وان كان سلبيا في مفرداته الا انه كان يمثل حالا صحيا يدل على شعوب تتاثر بما يحيطها لكنه كان ينقصه الضوء المباشر الذي ينير ما بين السطور او تنقصه الترجمة لتصب الافكار في صالح الشعوب لا المعسكرات شرقية كانت ام غربية او في صالح رجال ارتدوا زيا دينيا يريدون سجننا فيه ولا في صالح النعمان بن المنذر فيجعل يوما للسعد ويوما للحزن, باعتقادي الشخصي كان ينقص جميع الحركات الخبرة , فلو نظرنا بتعجل لحال كل الاحزاب والحركات في تلك الفترة لرأيناها جلها ومعظمها من الشباب قليلي الخبرة والمتعجلين وممن يؤمن بالشعارات دون تمحيص او ادراك لمعناها الواقعي واماكنية التنفيذ على الارض.
في خضم هذه الانفعالات الفكرية والحركة الثورية كان المغامرون العسكر يتربصون ليعتلوا الموجة,وكان البعض منهم ممن يعرف من اين تؤكل الكتف وممن يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة يحاول الوصول الى التنظيمات الحزبية والانظمام تحت لوائها , كوسيلة للوصول الى كرسي السياسة ليس الا ,وكانت الاحزاب والحركات في نفس الوقت تحاول ان تستميل العسكر لصفوفها وتحاول كسبهم للانظمام تحت لوائها , وصولا الى غايتها في قلب النظام والتربع على كرسي السلطة, وكانت لعبة قذرة ,استغلها الطرفان , وبدأ التنفيذ فكان الوطن الضحية, وبدأ صراع قذر,بين العسكر والحزب, اهمل فيه كل شي , فمن انقلاب الى اخر, ومن مؤامرة الى اخرى, ومن كارثة الى كارثة , وكانه تسونامي يعم ارجاء المنطقة, بدءا من مصر الى العراق الى سوريا الى اليمن الى ليبيا الى تونس والجزائر والسودان وموريتانيا,تسونامي ناصري ,ينشر الخراب, ويقطع اوصال الدولة ويختصرها بشخص الرئيس والزعيم ,يدق طبول الحرية والتحرر ايهاما ويزمر بمزمار الافاعي لتخرج رؤسها وتقتل الفكر والابداع والتطور ,تقرب اولي الولاء وتنفي اولي الخبرة والكفاءة والعلماء, فكان ان اهملت المشاريع واهملت التنمية واهمل التخطيط , وتراكمت الازمات, ازمة تتلوها اخرى اكبر, من ازمة سكن الى ازمة ديون الى ازمة خدمات وصولا الى ازمة فكر وانسانية .فكان تيها بحق امتد الى حوالي نصف قرن.

تسونامي البو عزيزي

ما يجهله القادة العظام من العسكريين والانقلابيين هو القوانين الفيزيائية, فمعروف عند الطفل مثلا انك لو نفخت في بالون ما.. هواءا اكثر من حجمه فسينفجر, هذا ما جهله الحكام والمقربين منهم من اولي الولاء والمقربين الجهلة , تصوروا انهم سيحكمون شعوبهم بالحديد والنار الى يوم يبعثون , وخيل لهم ان الشعوب فقدت الارادة والقدرة على النهوض بوجههم والقدرة على التغيير, لم يستطيعوا ابدا فهم المتغييرات العالمية , بل اجزم انهم ما زالوا يحيون عصر ما قبل الثورة الصناعية,لم يستطيعوا ان يعرفوا اهمية سقوط جدار برلين وماذا يعني بالضبط, كنا ننظر واذكر ذلك على تقافز ابناء الالمانيتين حول الجدار واتسائل فيما بيني وبين نفسي وماذا اذا؟
وان سقط الجدار؟ وهل يعني ذلك الا سقوط سور من الكونكريت مسلحا او غير مسلح؟ فلتتوحد الالمانيتين او لا تتحد. مالي ومالها,لم يستطع حكامنا وسياسينا ومفكريهم ان يفهموا ان حقبة زمنية بكاملها بكل تفاصيلها وزواياها انتهت.واتت حقبة اخرى ستنشر على العالم مفاهيم جديدة وافكار جديدة وصبغة جديدة ووسائل جديدة تُغير العالم شاء ام ابى , تسونامي كبير اتى, سيجرف كل من يقف بوججه, سيغير وجه العالم شاء من شاء وابى من ابى, لكن كيف لمن وضع الرتب والنياشين وسيوف التبختر ان يعي ان العالم اصبح قرية واحدة, وحين احس بالخطر حاول منعه وتقليصه وحجبه , لكن من يستطيع حجب الشمس, كان الشعاع اكبر بكثير من جبروتهم وظلماتهم, والتقت الكلمات وتشابكت الاحرف ,وزفت البشرى.
لا اظن ان البو عزيزي كان يطمح في يوم من الايام ام يقارن نفسه بعبد الناصر من حيث الشهرة والقدرة على التغيير والتأثير الذي احدثه عند شباب متحمس يطلب الخلاص ليس الا.
جسد البوعزيزي النحيل الذي اتعبه الهم والتفكير في توفير لقمة العيش ,كان له صدا اكبر بكثير من صدى قنابل الاسد وهي تسحق حماة , واكبر من صدى كيمياوي وهو يسحق انتفاضة الجنوب والشمال في العراق, واكبر من صدى الاغتيالات التي طالت المفكرين والاحرار العرب.
وحزننا عليك يابو عزيزي اكبر من حزننا يوم انكشف الزيف في عام 1967

الموقف الغربي من حركة التغيير

لا يختلف اثنان على ان منطقتنا منطقة حيوية جدا للغرب , لان فيها منابع النفط, والتي تمثل مفصلا مهما للاقتصاد الغربي ,فاي حرارة تتولد عن احتكاك في هذه المنطقة واي شرارة تنطلق ستجعل اسعار النفط تحترق, مما يؤثر سلبا على الاقتصاد الغربي, وفي نفس الوقت فان الانظمة الغربية ضاقت ذرعا بالانظمة الدكتاتورية العربية التي هي اصلا تمثل منبعا للمشاكل والاحراجات بتعنتها وقسوتها بالتعامل مع شعوبها واتباعها اساليبا وحشية , وافتعالها للمشاكل الخارجية كلما احست بالخطر من الداخل وان الدخل بدأ يضغط ويتضجور ويطالب بالاصلاحات,الغرب يرى في هذه الانظمة انظمة مارقة مستهترة لا يمكن ان تُصلَح ابدا ويرغب حتما في استبدالها بانظمة اقل راديكالية واحسن اداءا واقل تسلطا , لكنه من جهة اخرى يخشى من مجئ الاسوء وتسلط الضلاميين , فيحاول الامساك بالعصى من الوسط, وفي رأيي المتواضع فأن على الغرب تقع مسؤولية من عدة جهات , فقد كان داعما لهذه الانظمة في فترات الحرب الباردة , اما خوفا من الاسلاميين او خوفا من الشيوعيين مما اتاح لهذه الانظمة ان توغل في غيها وتزيد من سطوتها واذاقت شعوبها مر الهوان وكل ذلك تحت انظار الغرب وسكوته , حتى وان كان هذا السكوت مُبررا عندهم , لكنه كان عاملا وسببا من اسباب تخلف هذه الشعوب وتضررها , والمسؤولية الاخرى التي تقع على الغرب هي من جانب انساني , فلا يمكن للعالم الذي يدعي التحضر ...السكوت على المجازر التي ترتكب بحق الانسانية وغض البصر عنها بحجج المصلحة والخوف , عليهم تقع مسؤولية احتضان هذه الثورات ومساعدتها فكريا بعد نجاحها لكي تحقق ما تصبو اليه من انتقال سلمي للسلطة الى يد الشعوب بعد فترة من التيه والضياع.

الخطر اين؟

باعتقادي الشخصي البسيط ان هذه الثورات لن تهدأ ولن تنطفئ نيرانها الا بعد الخلاص من كل اوزار الماضي وضُلاماته وانظمته , ومن لم تطله النيران اليوم فالينتظر غدا او بعد غد ,فلن ينجو نظام من التغيير مهما كان ومهما تكلم عن اصلاحات شكلية ووهمية , وكما قلت فانه تسونامي كبير سيجرف كل من يقف بوججه ,واتوقع النجاح لكل الشعوب بالحصول على مبتغاها وان كان ذلك سيصاحبه شئ من الالم والتضحيات , لكن لابد مما ليس منه بد ,اما الخطر الذي احب ان انبه اليه فهو ما ستخلفه هذه الانظمة من اذرع لمخابراتها وامنها وازلامها والمستفيدين منها , هؤلاء سيشكلون خطرا على المنطقة بأسرها , ان سُمحَ لهم بالاتصال وتشكيل شبكات ارهابية قاتلة , قد تعمل بالخفاء ان سنحت لها الفرصة هنا او هناك حيث الخواصر الرخوة وحيث تجد التمويل والاذن الصاغية وستحاول التخريب والترهيب والعمل من جديد .

هل تبحث عن مستقبل افضل؟

لم اتكلم مع احد واتناقش مع احد الا وضربت له مثلا بالامارات....
فحين اسئل شخصا بغض النظر عن مستواه العلمي والثقافي ( اتحب ان تكون بلادك كلامارات؟) تكون الاجابة بالايجاب واكاد اقول ان النسبة بين الاجابة كانت 100% , فمن لا يرغب بالتطور والعيش الرغيد ,ومن لايرغب بالابتعاد عن التوترات والعيش في ضل استقرار سياسي واقتصادي وامني, لكن المشكلة هي ان الرغبة شئ والعمل على الارض شئ اخر , ما نتمناه شئ وما نفعله شئ اخر مخالف تماما , سألني احد الاخوة عن الوضع الليبي وقال (هل الشعب الليبي مرفه وهل له الحق فيما يفعل؟)
فاجبته ان كنت تقيس الرفاهية على ما كنا نحياه في ضل الحصار من عوز وضنك وقهر , فنعم, وان كنت تقيس الرفاهية على ماليزيا مثلا وهي دولة ليست من الدول العظمى ..فبالطبع لا,وفرضا لو اننا جدلا.. قلنا ان الشعب الليبي مرفه واحواله تمام التمام ,هل هناك نص شرعي او قانوني او عقلي يمنع من ان يختار الشعب ما يشاء من الانظمة وما يحلو له من الحكام ؟؟؟؟ هل هناك مانع يمنع من ان يطالب الشعب بحقوقه الفكرية ويطالب بحرية تضمنها له كل القوانين السماوية والوضعية , وهل للحكام الحق باستخدام اسلحة الشعب ضده ,هل لهم الحق في استخدام الجيش الذي هو يد الشعب التي تدافع عنه... لقمعه؟؟؟؟
اترك الاجابات لكم ايها الاخوة
واعتذر عن الاطالة