من هو الوطني الغيور؟

الاخلاق منظومة قيمية تصب في خلقها قنوات عدة، الدين والعرف والايديولوجيا فضلا عن طبيعة الشعوب التي تمارسها، حيث من المعروف لدى الجميع ان لكل شعب من شعوب الارض اشتراطات معنوية يتحدد بها جوهر الهوية الوطنية لذلك الشعب، ومايعد باطلا لدى شعب ما يعد حقا لدى آخر، لذا يتفق علماء التربية على نسبية المنظومة الاخلاقية، غير ان هنالك ثمة سلما خلقيا يمثل مشتركات عامة لاتختلف بشإنها شعوب الارض قاطبة، وشعبنا العراقي شأنه شأن تلك الشعوب يتمتع بمنظومة اخلاقية خاصة به شكلت ولم تزل تشكل هويته الوطنية العراقية التي اشتملت من ضمن اشتملت عليه قدسية الحفاظ على الامانة ونبذ من يخونها، وفي العرف الاجتماعي العراقي لاسيما العشائري منه، يعد خائن الامانة شخصا غير مرغوب بإنضمامه للجماعة، بل يعد خطرا داهما على وحدتها وتماسكها، وتعاقبه العشيرة بما يسمى(كسر عصاه)..
وفيما يتعلق بمنح الثقة لأي موظف في الجهاز الحكومي كيما يحمل الامانة الوطنية في عنقه، يعد تكليفا عاما يمس في الصميم جملة امور جوهرية لعل من اهمها التفاني في خدمة مجموعة بشرية كبيرة الى حد ما، وليس فقط المحافظة على حرمة المال العام بل وترشيد انفاقه بما يؤدي الغايات والمنافع المرجوة منه ضمن حدود المتاح من الموازنة الخاصة بالدائرة او الوزارة او الموازنة العامة للدولة.
وكما يعرف الجميع كيف تردى مستوى الاداء العام للجهاز الحكومي ابان عهد النظام الديكتاتوري حيث وصل مرتبة الحضيض حين كان معاش الموظف العراقي الشهري قد بلغ دولارا واحدا يوم كان يعادل الاخير من250 دينار الى 300 دينار...فإنتشر وباء الفساد والرشى بين موظفي الدولة، مع التضخم الحاد في مستوى اسعار المواد الاستهلاكية الاساسية والاندحار المنظم لكرامة المواطن العراقي الذي راح يهيم على وجهه في اصقاع الارض كلها بحثا عن لقمة خبزه المرة..
وبعد انعطافة 9/4 في العام 2003 ورثت الدولة العراقية خرابا مكتملا في جهازها الاداري فضلا عن خرابا اكبر في منظومتها الانظباطية الاخلاقية، ولعل ظاهرة(الحواسم) كانت القشة التي قصمت ظهر الدولة العراقية متوجة بذلك الانهيار الطويل والمتتابع في اداء الجهاز الحكومي في مناحيه كافة. وبعد انتخابات وطنية عامة فريدة من نوعها لاسيما حجم الاقبال الشعبي عليها، وترشح عدد من الكتل الوطنية لقياد الدولة، افرز المشهد العام لادارة الدولة ايجابيات محدودة في مقابل عديد السلبيات، فلم تزل وصمة خيانة الامانة تسم كثيرا من المسؤولين، فضحهم الشعب مؤخرا وأسماهم بإسمائهم في التظاهرات الشعبية العارمة في جمع الغضب والكرامة والحق، حيث طالبت جماهير المتظاهرين بأقالتهم ومنهم كامل الزيدي رئيس مجلس محافظة بغداد وصلاح عبد الرزاق محافظ بغداد، والاخير اضاف لسجله(الخياني) مؤخرا وصمة جديدة حين رفض اخضاع مسؤول العقود في المحافظة لمسائلة هيئة النزاهة العامة...
في الخندق المقابل يقف السيد امين العاصمة المهندس صابر العيساوي بجبين نقي لما انجزته دائرته فيما يزيد على الخمس سنوات، فضلا عن امتلاكه الشجاعة في تقديم استقالته من تلقاء ذاته، الامر الذي اثار حزن المواطنين واستغرابهم..
وراح سؤال جوهري يدور في اذهانهم فحواه: من هو الوطني الغيور حقا من بين ما ذكرنا؟