بقلم - سيث ميدانس - ترجمة ـ مهند
أطلق علماء الحشرات في تايلاند مؤخراً الموجة الأولى من جيش الدبابير البالغة الصغر، يبلغ قوامها250 الف حشرة، وذلك ضمن اطار حملة تشن لمكافحة وباء تسببه حشرة تسمى البقة المغبّرة التي تهدد باتلاف محصول الكسافا (نبات المنيهوت) المهم اقتصاديا للبلاد، حيث تصل قيمته التجارية الى 1.5 مليار دولار.
هذه الدبابير، التي يقل حجم الواحد منها عن حجم رأس الدبوس، تستهدف تحديداً الديدان الضارة المذكورة، فتخترق أجسامها وتضع بيوضها في داخلها، وبعد أن تفقس البيوض تأكل اليرقات حشرات البقة المغبّرة من داخلها، لتنبثق بعد ايام قليلة من اغلفتها الخاوية ثم تبدأ في البحث عن حاضنات جديدة.
هذه هي المعركة الاحدث في التنافس الدائر بين المزارعين والحشرات المدمرة للمحاصيل الزراعية التي توفر الغذاء لكلا الطرفين. فالبقة المغبّرة تحصل على طعامها حصريا من نبات الكسافا دون سواه، كما ان الدبابير الصغيرة المذكورة يقتصر غذاؤها على هذه الديدان الفتاكة دون سواها.
يقول رود ليفروي، المنسق الاقليمي للبحوث في قارة آسيا التابع للمركز الدولي للزراعة في المناطق المدارية، وهي مجموعة غير ربحية قامت بتنسيق عملية اطلاق الدبابير: “من هذا المنطلق، تمثل هذه الحالة نظاماً ممتازاً للسيطرة البايولوجية.”
ومن المتوقع ان تشهد عملية استخدام الدبابير، التي أثبتت فعاليتها في افريقيا، نجاحا ايضا في تايلاند التي تقف في صدارة الدول المصدرة لمحصول الكسافا، المعروف أيضاً باسم المنيهوت وأسماء أخرى.
في افريقيا، التي شهدت بداية استخدام الدبابير الصغيرة لابادة البقة المغبّرة، ينتشر الآن وباء جديد يحمل تهديداً لمزارع واسعة من محصول الكسافا، وهو المرض المعروف باسم اللطخة البنية، الذي لم يكتشف له اي علاج مضاد حتى الان.
يقول الدكتور توني بيلوتي، عالم الحشرات في المركز الدولي للزراعة في المناطق المدارية في كولومبيا والمتخصص في الدبابير الصغيرة والبقة المغبرّة: “يبدو الأمر وكأنه لعبة قط وفأر ولكن على نطاق عالمي. فكلما وجدت البقة المغبرّة لنفسها سبيلاً إلى دول جديدة أرسلنا وراءها الدبابير الصغيرة لابادتها.”
وقد وردت تقارير فيها اشارات اولية تدل على أن عدوى البقة المغبرّة أخذت تنتقل إلى دول أخرى مثل كولومبيا ولاوس وماينمار المجاورة لتايلاند. ويقول الدكتور بيلوتي:” لقد نعم انتاج الكسافا في جنوب شرق اسيا بفترة طويلة من السلام لم يعكر صفوه خلالها شيء، حيث كان خاليا نسبيا من الاوبئة وتفشي الامراض.”
تايلاند هي ثالث اكبر دولة منتجة للكسافا في العالم، بعد نيجيريا والبرازيل، حيث تصدر ما نسبته 60 بالمئة من الصادرات العالمية لجذور هذا النبات التي تستخدم في المواد الغذائية مثل المعكرونة، ومركب غلوتاميت احادي الصوديوم الذي يضاف الى الاغذية كمطيّب للنكهة، بالاضافة الى منتجات اخرى مثل معجون الاسنان.
المساحات التي تستغل في افريقيا لزراعة الكسافا تفوق بكثير تلك التي في تايلاند، ولكن الدكتور ليفروي يقول ان حوالي 50 بالمئة من الانتاج هناك يتم استهلاكه محلياً كغذاء. أما تايلاند فإن أغلب صادراتها من هذا المحصول تذهب الى الصين، التي تنتج بدورها ما نسبته 40 بالمئة من احتياجها الضخم من هذا النبات. ومن المتوقع ان يتضاعف استهلاك الصين في هذا المجال خلال السنين القليلة القادمة، جاعلا من الكسافا محصولا يدر أرباحاً متزايدة.
تستطيع البقة المغبّرة، التي لا تتعدى دورة حياة فترة شهر، أن تنتشر بسرعة، حيث تضع كل حشرة 440 بيضة كمعدل ولها قدرة إنتاج عشرة اجيال خلال السنة الواحدة. وهذه الحشرات تتغذى على قمم نباتات الكسافا فتعيق نموها من خلال افراز لعاب ذي تأثير سام.
برز التهديد الحقيقي للصناعة التايلاندية بشكل كبير في العام الماضي عندما تم تدمير ما نسبته 20 الى 25 بالمئة من محصول الكسافا، الأمر الذي أصاب المزارعين بالهلع وأدى إلى ارتفاع الاسعار.وقد حضر مئات المزارعين احتفالية اطلاق اول وجبة من الدبابير الصغيرة مؤخرا في منطقة خون كاين، وجمع بعضهم حفنات من تلك الدبابير لاستعمالهم الشخصي، كما يقول الدكتور ليفروي.
ويستطرد الدكتور ليفروي قائلاً: ان هذه الدبابير الصغيرة لا تصدر طنينا ولا تلسع، بحيث أن المرء يجب أن يكون عالم حشرات لكي يشخص أنها تنتمي إلى صنف الدبابير.
من صحيفة نيويورك تايمز
