http://www.aboshdg.net/up/uploads/im...3b4d20c56c.png
مدنٌ حـَمـَلتُ بليلهـا أوزارها
والريحُ تلفحُ بالجليدِ ازارها
بَذَلَتْ طرائفَ خيرها لشعوبها
طوع البنان والجمتْ جزّارها
سيعافُ رضوانُ الجنانَ وطيبها
اِنْ حلَّ يوما بالربوعِ وزارها
وَجَنَيْتُ سعداً في رباكِ وغبطَةً
وَأَمِنْتُ غدرَ الحادثاتِ وزارها
هل تُرجعنَّ ليَ المآقي لهفةً
وأِذا بذَلتُ من الدموعِ غزارها
ومغرّداً من فرطِ شوقٍ قد ترى
عند الضيافةِ بومها وهزارها
مدنٌ تربّعَتْ السماءَ بفتيةٍ
بذَلوا لتكريمِ الغريبِ مزارها
بزّوا الأكارمَ غير أن وجوههم
قد خالفتْ عدنانها ونزارها
مدنٌ تسَلَّقَت النجومَ بفتيَةٍ
ولها بَنَوْا منْ فضّةٍ أسوارها
قهروا الزلازلَ هازئين ببطشها
بشواهقٍ لثمَ السحابُ فنارها
مدنٌ تنامُ على الحريرِ مغلّفاً
بصنوفِ ألوانِ المنى أسرارها
مدنٌ ويملكني الأسى لمدينتي
أأضاعَ فتيانُ العراقِ سوارها؟
وتُقَطِّعُ الأميالَ حافلةٌ بنا
وأِلى "أتامي" قصدها وقرارها
صورُ الطبيعةِ أِذْ تَمُرُّ أمامنا
بيضاءُ يغلبُ حسنُها أِعصارها
نأوي أِلى غُرَفٍ تلألأ نورها
بفمِ الخليجِ فأبهرَتْ زوّارها
وَقَصَدْتُ تحدوني الأماني قاعةً
رقص الضياءُ مداعباً أستارها
عبر الزجاجِ زوارقٌ وموانيءٌ
شَدَّتْ بآفاقِ المدى أنوارها
وبجانبيَّ أوانسٌ وكواعبٌ
كحمائمٍ قد غادرتْ أوكارها
يَرْفُلْنَ في بُرْدِ الحضارةِ ناعماً
وَوَجمْنَ أِذْ لَبِسَ الملا أطمارها
وفَتَحتُ باباً للحديثِ وبغيتي
تلك الحمائم قد عشقتُ حوارها
وتخونني اللغةُ اللعينةُ وعرةً
فيها المسالكُ غلَّقَتْ أسراراها
لكنما لغةُ العيونِ رصينةٌ
دوماً أِذا كان الوفاقُ مدارها
يسألنَ عن أوطاننا ورقيّها
قصصُ الحضارةِ زَخْرَفَتْ أحجارها
وعن التنقّلِ كيف شكلُ قطارها
وهل البواخرُ أتْعَبَتْ أنهارها؟
فَاَجَبْتُ مبتسماً ومحنةُ أُمّتي
قد أحكمتْ في أضلعي منشارها
لو تعلمين فأِنني من أمّةٍ
بالتبرِ قد مَزَجَ الآلهُ قفارها
من أمّةٍ غرثى أجاعتْ عنوةً
كلَّ القطيعِ وأسمنتْ جزّارها
لكنهُ عشقُ الصبا لمدينتي
حتى وأِنْ نَخَرَ الذبابُ خمارها
فدعي الحديثَ عن الحضارةِ جانباً
فسيحملُ الزهو الكثيرُ دمارها
خلّي الحديثَ وأنجزي وعداً لنا
نقضي لأنفسنا به أوطارها
وحظيتُ بالوعدِ الذي رقصتْ لهُ
منا العقولُ وفارقتْ أطوارها
كنتُ الوحيد فكيف لي بثلاثةٍ؟
أشعلنَ في غاب الغريزةِ نارها
فدعوتُ أصحاباً كراماً دأَبهمْ
جنيَ المعاصي نستطيبُ جوارها
هرعوا فليس الثلجُ يوهنُ عزمهمْ
قصدَ الكؤوسِ بأن نعبَّ كبارها
واختال بالدربِ الطويلِ رصيفه
من ستّةٍ جمع الوئام مسارها
كنّا نغذُّ السير نقصدُ حانةً
بكَر النعاسُ مداعباً خمّارها
حتى رأى أنَّ الجيوبَ ثقيلةٌ
أِذْ هبَّ مذعوراً يشمُّ قتارها
قلنا لهُ خلِّ نعاسكَ جانباً
واسفحْ لنا ممّا أدّخَرْتَ عقارها
ياويلتي من ليلةٍ كانت لنا
واصلتُ بالسهرِ اللذيذ نهارها
أِذْ ليس فيها غير قومٍ آمنوا
أَنَّ المنامَ مقصِّرٌ أعمارها
وبآنساتٍ كلّما ضجَّتْ بنا
كأسٌ أدَرْنَ بلطفهنَّ مدارها
سلماً ترى فوق الخوانِ وتحتهُ
حربٌ ضروسٌ قد قدحتُ شرارها
كأسٌ لنا فوق الخوان وتحتهُ
ساقٌ لأنثى لن أفكَّ أِسارها
تركتْ غضارةَ جسمها لأصابعي
لتجوبَ أِنْ غفلَ الرقيبُ ديارها
أهدَتْ عيون الغانيات لعينها
سحراً يزَيِّنُ بالدلال وقارها
هي لجَّةُ السحرِ السماويِّ الذي
كَتَبَ الزمانُ بأن أخوض غمارها
يا ليلةً حتى تمنّتْ بعدها
أن لا نكون لغيرها سمّارها
حتى أِذا أنبلجَ الضياءُ منوّراً
ركنَ الطبيعةِ لاثماً أشجارها
وتنفّستْ رئةُ المدينةِ فجرها
وتناهبَ الجمعُ الغفيرُ قطارها
عدنا نؤكّدُ للمودّةِ عهدها
ونشدَّ بالوعدِ الأكيدِ ذّمارها
كلٌّ يضمُّ براحتيهِ وريقةٍ
فيها عناوينٌ كَسَتْ أشطارها
هَمَسَتْ بشوقٍ تحت أُذني نغمةً
هزّتْ لأعماقي بها أوتارها
لا تنسَ موعدنا فأِثمُ حياتنا
في عنقِ آدمَ مذ عصى جبّارها
أِنَّ الحياةَ سويعةٌ أو بعضها
فاقطفْ أِّذا راق الزمانُ ثمارها
أِقنصْ بيومكَ لذّةً سنحتْ بهِ
أيّام عمركَ هل ضمنتَ يسارها؟
مرَّتْ بنا الأيامُ تحسبنا بها
من فرطِ رقّةِ ديننا فجّارها
أِن أعجبتْنا أيكةٌ كانت لنا
عشّاً وتحسَبُنا بها أطيارها
حتى أزفَتْ لوعدي ساعةٌ
دقَّتْ بكلِّ خليّةٍ مسمارها
فارقتُ طيشاً للشباب ِتجمّلاً
وقصَدتُ تحملني البحارُ ديارها
طرقُ السماءِ تَجَهَّمَتْ مذعورةً
لتصبَّ عصفاً زاخراً مدرارها
أِذ قَطَّعَ الرعدُ المدوّي لجّةً
في اليمِّ صمَّ بصوتهِ بحّارها
وَتُلَوِّنُ الشَفَقَ البعيدَ سحابةٌ
كذبيحةٍ قد لطّخَتْ نغّارها
حتى أِذا كان اللقاءُ توقَّفَتْ
هوجُ الرياحِ وعاندَتْ أِعصارها
سَكَنَ الوجودُ فكلُّ شيءٍ صامتٌ
حتى السحائبُ لملمتْ أمطارها
ونسيمةٌ طافتْ تُرِقُّ بسمعها
وتغضُّ من خجلٍ لنا أنظارها
تبغي لها خلاًّ تناجيه الهوى
لَمَحَتْ حنانَ لقائنا فأغارها
جنحَ الخيالُ فكلُّ شيءٍ حولنا
قد خلتهُ خلاًّ يرومُ سرارها
أرنو أِليكِ كأَنّما ألفٌ مَضَتْ
نمحو بلقيانا البهيج عثارها
نشرَ الحياءُ بمقلتيكِ غلالةً
هتكَ الحنينُ بشوقه أستارها
مدَّتْ لتأديةِ التحيَّةِ قلبَها
قبل اليدينِ وأخفَتْ أِستعبارها
وتعثّرَتْ فوق الشفاهِ رغائبٌ
لولا الحياءُ لأبدَتْ أِستهتارها
وتناولتْ مني الحقيبةَ مرحباً
قالت وغالب لطفها أِخفارها
بَدَأَتْ بذاكَ حكايةً بل قصّةٌ
نَسَجَتْ كما شاءَ الهوى أدوارها
شخصينِ من أقصى البسيطةِ نلتقي
لنخطَّ بالحبِّ الكبيرِ مدارها
يا مضرماً بالنفسِ أشتاتَ الجوى
أطفيْ بريقكَ قد فديتكَ نارها
أِنّ المحبّةَ سنَّةٌ كُتِبَتْ لنا
فعلامَ نُطمسُ بالخداعِ سعارها؟
تهفو أِليكِ النفسُ تعلمُ أَنَّها
من غيرِ قربَكِ لن يقرَّ قرارها
من هدبِ عينيكِ الغرامَ عرفتَهُ
هل ينكرُ القلبُ الجريحُ شَفارها؟
الغابةُ الخضراءُ تعرفُ حبَّنا
أّمَرَتْ بكَتْمِ حرامهِ أشجارها
فاضتْ محبَّتنا على جَنَباتها
غَمَرَتْ بلطفِ حنانها زءّارها
وَقَفَتْ حقولُ الرزِّ تحرسُ دربنا
أغوتْ بطيبِ اريجها أطيارها
حتى الطيورُ أِذا رأتنا أظهرَتْ
حمّى العناق وأرهقَتْ منقارها
تلك القرى كانت حديثَ غرامنا
كَثُرَ الكلامُ فأبشَمَتْ ثرثارها
ينمو بقريتكِ الصغيرةِ برعمٌ
سيقصُّ عن جولاتنا أخبارها
كم نزوةٍ حَفَضَتْ لنا تلك الربى؟
فأِذا نَسيتِ استنطقي أشبارها
ألرملُ والبحرُ المحيطُ رفيقنا
في خلوةٍ أبدَتْ لنا أستنكارها
وعلى الرمالِ فما يزالُ لهاثُنا
للآن يغوي نفثُهُ تيّارها
تستفسرُ الطرقاتُ عن خطواتنا
أعيا الجوابُ وملّتْ أِستفسارها
تستفسرُ المقهى التي نأوي لها
بعد الطوافِ كأننا عمّارها
الحبُّ مملكةٌ تطوفُ بأرضها
لغةُ السماءِ فَنَزَّهَتْ أوضارها
طفنا نغنّي لا نؤمُ مدينةً
أِلاّ أذَبْنا بالمنى مشوارها
متعانقين أِذْ الحدائقُ حذَّرَتْ
أَن لا تبوح بسرِّنا أزهارها
وأِذْ المباني بين أحشاءٍ لها
ضمَّتْ لأشواقٍ لنا أدوارها
وأِذْ الليالي بالوصال تجَمَّلَتْ
وعلى المحبةِ عاهدتْ أسحارها
نامتْ على حُلُمٍ جميلٍ شقَّتي
عمّا جرى لا تَسْألَنَّ جدارها
وحبيبتي غضِبَ الوشاةُ أم ارتَضَوا
أرخَتْ كما شاء الهوى زنّارها
أِنْ تنطفيء حمّى الغريزةِ برهةً
نذكي بألوان الشرابِ اوارها
ياطيب خمرٍ قد شربنا بارداً
وأن أكتَسَتْ من وجنتيكِ شرارها
وعلى رضابكِ تشرَئبُّ غرائز
من عهد آدمَ نقتفي آثارها
صالحتُ فيكِ الدهرَ لو أيّامهُ
نَصَحَتْ فأحيَتْ بالوصالِ بوارها
وكأنّما بالغيبِ يُضمرُ كيدهُ
دهرٌ ليبلو بالأذى موّارها
نُبِّئْتُ أنَّكِ بالبلادِ شقيَّةٌ
بالرغمِ ممّا تجْتَنينَ فخارها
فلئنْ تُرَوِّعُ ناظريكِ معالمٌ
فيما مضى كنّا نؤمُّ مزارها
أو تسفحين لعبرةٍ مهراقةٍ
صبَّتْ بليلٍ حالكٍ انهارها
فمصيبتي في موجِ بحرٍ هائجٍ
صبَّ المصائبَ أتَّقي غدّارها
في كلِّ يومٍ رنَّةٌ لمصيبةٍ
آلَفْتُ بعد قساوةٍ مزمارها
ولقد يفيدُ من المصيبةِ عاقلٌ
ولقد يحاولُ أحمقٌ تكرارها
وأبيتُ للذكرى أناجي طيفها
وأَلمُّ من وَجدٍ بها أشعارها
وتموجُ بالليلِ البهيمِ نوازعٌ
لن يحتوي الكونُ الفسيحُ نثارها
عَهدٌ عليكِ أِذا مرَرْتِ بقريةٍ
كَتَمَتْ مع النغمِ الحزينِ زفارها
أو داعبَتْكِ موجةٌ مهمومةٌ
أرختْ لنا فيما مضى أوتارها
وأِذا الزوايا أتحفَتْكِ بمقعدٍ
في ركن مقهى أبهجتْ زوّارها
وأِذا الزحامُ بليلةٍ بمحطَّةٍ
ألقى بتيهِ عبابِهِ عبّارها
وأَذا لكِ تلك الشجيرةُ مرَّةً
أَحْنَتْ بظلٍّ وارفٍ أثمارها
صلّي هناكَ فقد عَتِمْتُ أسيرها
تلك الربوع وأن شَطَطْتُ مزارها
وأقلُّ من شيمِ الوفاءِ قطيعتي
للقلبِ نُكْراً أِن سلا تذكارها
********
منقول
المهندس
وحيد شلال
