نعرف أن الكافرين - بشكل خاص - والذين هم في النار خالدون ، لا تنالهم الشفاعة مطلقا بدلالة الخلود في النار أبدا . إذن فمن هم أولئك الذين تنالهم الشفاعة ؟ ومن هم الذين لا تنالهم ؟المشمولون بالشفاعةيوم القيامه
أ - المؤمنون المذنبون : السؤال الذي يطرح هنا هو أن مفهوم الشفاعة يعني غفران الذنب ورفع العقاب المستتبع له ، فكيف يمكن الجمع إذن بين صفة الإيمان بالله واليوم الآخر وبين صفة ارتكاب الذنب ومقارفة المعصية ؟
وللجواب على ذلك نقول : إن للمؤمنين درجات بما امتلك كل مؤمن من الصفات ، وقد أشار القرآن الكريم في مواضع عديدة إلى حقيقة التفاوت والدرجات بين المؤمنين ، مثل قوله تعالى : * ( . . لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) * النساء .
والتأمل في الآية الشريفة الآنفة يكشف عن عدة أمور مهمة ، منها أن القاعدين عن الجهاد بأموالهم وأنفسهم مع عدم وجود ما يمنعهم من عذر شرعي من نقص في الأعضاء أو فقر لا يتساوون مع المجاهدين ، لكن الله وعد كليهما الحسنى في الآخرة ، لكن الله سبحانه وتعالى فضل المجاهدين على القاعدين من ناحية الأجر والثواب ، ووصفه بأنه أجر عظيم . إن المؤمن يذنب لكنه يستغفر الله ويتوب ، وهو أيضا يحتاج إلى الشفاعة ، فقد سئل الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) عن : المؤمن هل له شفاعة ؟ قال : ( نعم ) ، فقال رجل من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قال : ( نعم ، إن للمؤمنين خطايا وذنوبا وما من أحد إلا يحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ ) تفسير العياشي الجزء الرابع .
ولا محل هنا بعد ما تقدم للاعتراض : بأن المؤمنين لا يكونون مؤمنين حتى يتحركوا بنفس المستوى من الفعل عند اتحاد الداعي للفعل ، لأن هذا الاعتراض تغافل عن مقتضيات الطبيعة البشرية ، والله أعلم بعباده وقوله عز شأنه يوضح قانونا من قوانين الخلقة وبعد هذا . . فالتفاوت بين البشر حقيقة ثابتة لا يمكن نكرانها وإن كان بين المؤمنين .
كما أن الحديث المروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) يكشف صراحة عن أن للمؤمنين خطايا وذنوبا ، وإنهم بحاجة إلى شفاعة الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهم يوم القيامة .
وننقل القارئ الكريم إلى التدبر في الآيات القرآنية الشريفة التالية : * ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب
المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا
على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ) آل عمران .
ومحل الشاهد في الآيات الشريفة هو التصريح بأن الذين يستغفرون الله لذنوبهم بعد فعل الفاحشة أو ظلم النفس ولم يصروا على الاستمرار على ذلك الفعل فإن الله وعدهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها . . ويتضح إن عدم الإصرار علىالذنب ومن ثم الاستغفار والتوبة هي من صفات المؤمنين ، لأن الله لا يعد أحدا بالجنة والنعيم إن لم يكن مؤمنا مرضيا عند الله سبحانه وتعالى . ولكن المؤمن إذا ارتكب معصية أو اقترف إثما وأصر عليه ، فهل يبقى على صفة الإيمان بمعناه الحقيقي الذي يريده سبحانه وتعالى متجسدا عند الإنسان بالفعل والسلوك والعمل وليس بمجرد الادعاء والعادة ؟
وبدون شك ، فإن الإصرار على الذنب قد يخرج المؤمن عن صفة الإيمان الحقيقي التام " وذلك لأن الإصرار على الذنب يستوجب الاستهانة بأمر الله والتحقير لمقامه سواء كان الذنب المذكور من الصغائر أو الكبائر . .( الميزان للطباطبائي)وقد تقدم في جواب الإمام أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) لعبد الله بن سنان بأن الإصرار على الذنب يخرج الإنسان من الإيمان .
وهل هناك عاقل يقول : إن من يستهين بأوامر الله ، هو ومن يمتثل أوامره ونواهيه كلها كما أمر ونهى ، على حد سواء ؟
ومن الآيات الشريفة ننقل القارئ إلى التدبر في الأحاديث المروية عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) .
عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في رسالته إلى أصحابه قال : ( وإياكم أن تشره أنفسكم إلى شئ حرم الله عليكم ، فإن من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا ، حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين . . - إلى أن قال - وإياكم والإصرار على شئ مما حرم الله في القرآن . . )( وسائل الشيعه للحر العاملي.)
وجاء في وصية الرسول الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للصحابي الجليل أبي ذر ( رضي الله عنه ) قوله :
( يا أبا ذر إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه ، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه ) (أعلام الدين في صفات المؤمنين للديلمي .)
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : ( لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الإصرار على شئ من معاصيه ) (الكافي للكليني)وبعد كل ما تقدم أصبح واضحا وجليا أن المؤمن إنما يخرج عن ربقة الإيمان التام الحقيقي بالإصرار على الذنب والمعصية ، ويغدو واضحا أيضا أن المؤمن قد يذنب الذنب الكبير أو الصغير ، لكنه يسارع إلى الاستغفار والتوبة فيتوب الله عليه ، وقد تقدم فيما مضى أن الشفاعة هي لأهل المعاصي من المؤمنين . قال الحسين بن خالد : . . فقلت للرضا ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله فما معنى قوله عز وجل * ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) * ؟ قال ( عليه السلام ) : ( لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه )( بحار الانوار للمجلسي )وعن البرقي عن علي بن الحسين الرقي ، عن عبد الله بن جبلة ، عن الحسن بن عبد الله ، عن آبائه ، عن جده الحسن بن علي ( عليهم السلام ) في حديث طويل قال ( عليه السلام ) : ( إن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال في جواب نفر من اليهود سألوه عن مسائل : وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم ) (بحار الانوار للمجلسي)
وهذا الحديث يجري مجرى الحديث السابق في الكشف الواضح عن عدم رضى الله سبحانه وتعالى عن الذين يموتون وهم مشركون أو ظالمون . عن عبيد بن زرارة قال : سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) عن المؤمن : هل له شفاعة ؟ قال ( عليه السلام ) : ( نعم ) ، فقال له رجل من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يومئذ ؟ قال ( عليه السلام ) : ( نعم ، إن للمؤمنين خطايا وذنوبا ، وما من أحد إلا يحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ )
(بحار الانوار للمجلسي ).
ب - المؤمنون الذين يدخلون النار : وكما تنفع الشفاعة المؤمنين في القيامة ليغفر لهم الله ذنوبهم فيدخلون الجنة كذلك تنفعهم الشفاعة حتى بعد الدخول في النار فيخرجون منها ، وهذا ما تفيده الأحاديث النبوية الشريفة المروية عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) التي تتحدث عن أن هناك من المؤمنين من يتم إخراجهم من النار بشفاعة الرسول والمؤمنين الصالحين . قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يشفع الأنبياء في كل من يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا ، فيخرجونهم منها . .)0(مسند foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?) وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة )(صحيح مسلم ج3). وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ليخرجن قوم من أمتي من النار بشفاعتي يسمون الجهنميين . . )( سنن أبن ماجه)وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حديث : ( أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم نار بذنوبهم أو بخطاياهم فأماتتهم إماتة
حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فيخرجون ضبائر ضبائر )(مسند foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?ج3)وقال الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) : ( مذنبو أهل التوحيد لا يخلدون في النار ويخرجون منها والشفاعة جائزة لهم . . . )(عيون أخبار الرضا)وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : ( . . . فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه وأخرج من النار من يريد أن يخرج ، أمر الله ملائكته والرسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم : إن النار تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود . . )( سنن النسائي ج3 ). وروي عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إذا ميز أهل الجنة وأهل النار ، فدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار قامت الرسل وشفعوا . . . )( مسند foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/?foraten.net/? ج3) . وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة أي ربي عبدك فلان سقاني شربة من ماء في الدنيا فشفعني فيه ، فيقول : إذهب فأخرجه من النار فيذهب فيتجسس في النار حتى يخرجه منها . . . )( مجمع البيان للطبرسي) . يقول العلامة الطباطبائي : " فتحصل أن المتحصل من أمر الشفاعة وقوعها في آخر موقف من مواقف القيامة باستيهاب المغفرة بالمنع عن دخول النار ، أو إخراج بعض من كان داخلا فيها باتساع الرحمة أو ظهور الكرامة( الميزان للطباطبائي).
وقد اتضح من الروايات أن الشفاعة إنما تكون بعد الفراغ من الحساب فإما تنفع للحيلولة دون دخول النار وإما تنفع للحيلولة دون البقاء فيها .